في التاريخ الثقافي التونسي
مجلة الإلهام أول مجلة نسائية صدرت في تونس
المجلة كانت مجلة جامعة بين الثقافي والسياسي والتاريخي والأدبي
بقلم محمود الحرشاني
أنيستنا في هذا العدد مجلة رائدة تعد من أولى التجارب التونسية في مجال تأسيس صحافة نسائية متخصصة وهي مجلة الإلهام وقد صدر العدد الأول من مجلة الإلهام في شهر مارس سنة 1955، وقدمت المجلة نفسها للقراء على أساس كونها مجلة أدبية نسائية جامعة لسان نادي الفتاة التونسية تحررها نخبة من المثقفات التونسيات.
أصدرت مجلة الإلهام وكالة الاتحاد التونسي التابع لنادي الفتاة لتونسية. ومديرة المجلة وصاحبة امتيازها ورئيسة قلم التحرير هي الآنسة فاطمة علي، أما عنوان المجلة فقد كان 17 نهج البراملية تونس، وحدد سعر النسخة الواحدة من مجلة الإلهام بخمسين فرنكا. وتكونت أسرة تحرير هذه المجلة من مجموعة من المثقفات التونسيات نذكر من بينهن: فاطمة غلي، توحيدة فرحات، حسناء التارزي، نجاة الغرياني، حليمة المطوي، راضية الحناشي، صفية الهمامي، فاطمة شرشاد، هند الشناوي، حياة الخميري وصفية عزيزي.
وشح غلاف العدد الأول من مجلة الإلهام بصورة تخلد زيارة الزعيم الحبيب بورقيبة إلى مدرسة الفتيات وقد وقف بينهن مشجعا ومباركا إقبالهن على التعليم كما تضمن غلاف هذا العدد صورة لآخر ملوك تونس محمد الأمين بأي. وازدان غلاف العدد أيضا بأية من القرآن الكريم وهي قوله:«ونفس وما سوّاها فألهمها فجورها وتقواها قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها....».
وحفل العدد الأول من مجلة الإلهام بمجموعة متنوعة من المواضيع والمقالات وقد وردت كلمة العدد تحت عنوان هدف الإلهام ومنها نقتطف ما يلي:«أن ميلاد مجلتنا الإلهام الشهرية التي هي لسان الفتاة التونسية في هذا العصر، عصر النهوض والرقي والازدهار والنور ليدل على أن الفتاة التونسية قد أدركت معاني الحياة وحدود المسؤولية وشعرت بمركزها في هذا العصر وعلمت انه أصبح واجب عليها العمل والمكافحة والنضال حتى تحقق لبني وطنها الغالي عزتهم وكرامتهم ومجدهم».
وتضيف المجلة قائلة في افتتاحية عددها الأول «أنها لروح حية وثابتة إلى المجهول، لها واجبات كما للناس قاطبة وليس للفتاة باعتبارها بنتا أو باعتبارها أما أو بالنظر إلى كونها رابطة بين هذه وتلك أو تتخلص من الدور الذي اختاره الله تعالى للقيام به أو أن تؤديه على ير الوجه الأكمل الصحيح والصورة التي ترسمها مبادئ الشرائح الطاهرة وقوانين الأخلاق.
إن الفتاة التونسية غايتها أن تحقق المبادئ السامية على ضوء الحقيقة والصدق في تفكيرها وعملها وتتقدم بقلب ملؤه الإخلاص لوطنها والنشاط في عملها حاملة هذا القبس المشرق دائما إلى الأمام في دائرة احترام التقاليد الفاصلة ونبذ الأباطيل والقيود الضارة مساهمة في العمل بخير الأمة ومستقبلها ظاهرة في ميدان الحياة زينتها ثقافتها النفسية وحلاها المكارم الخلقية بقلب مفعم بالإيمان مغمور بالجد تعمل فتحمد وتعالج فتبرأ وبذلك تحي مجد المرأة وبترعرع مجد أحفادها.
وتنوعت مواضيع ومقالات العدد الأول من مجلة الإلهام لتجمع بين ما هو اجتماعي وما هو تاريخي وما هو أدبي إلى جانب التحقيقات الصحفية الميدانية.
المرأة التونسية في الميدان
تحت عنوان المرأة التونسية في الميدان كتبت الآنسة صفية الهمامي من رابطة القلم الجديد: تنقسم المرأة التونسية إلى صنفين، صنف مثقف وغير مثقف. فالمرأة المثقفة يكون التعويل عليها في عدة أمور منها مشاركة الرجل في ميادين العمل والكفاح ماديا وأدبيا حتى تنتج عن أعمالها نهضة للشعب والوطن وهي جديرة بذلك إن وجت الاعتناء بكل مساعيها وتنشر الثقافة وروح التربية والأخلاق أحسن من قبل بل بأضعاف تجدها منكبة على العمل بالثقافة الحقة والمعرفة الراقية وبذلك تحقق الرقي والازدهار للشعب والوطن وتبعث فيه الروح الحية وكذلك المشاركة في معركة الحياة لخير البيئة العائلية والألفة الزوجية الطاهرة.
وتضيف كاتبة المقال: لقد استحقت المرأة التونسية تقدير واحترام الجميع وسجلت في تاريخ التحرير الوطني صفحة خالدة من التضحية والعمل الدائم وأعطت دروسا وتجارب واقعية هي عضة واعتبار لأجيال القادمة من الفتيات مربيات الجيل الصاعد للمستقبل.
وفي ركن منبر الفتيات والسيدات ورد مقال بعنوان رجاء للأمهات بقلم السيدة فاطمة شرشاد جاء فيه بالخصوص: لم تنهض امة إلا بالعلم والمعرفة فعلمي أيتها المرأة أبنائك وبناتك لان الوطن في حاجة إلى ذلك ولم ينهض إلا بهما فهما الغذاء الضروري للعقل والنفس والروح، فالعقل لا يتسع إلا بالعلم فعليك أيتها الأم القيام بالواجب لتجاري غيرك من الأمم المتسابقة إلى العلم والارتقاء.
كما ورد في هذا العدد مقال بعنوان تربية الأطفال تضمن مجموعة من النصائح والقوانين التربوية والنفسية لضمان تربية صحيحة وسليمة للطفل. وكتبت الآنسة حياة الخميري في هذا العدد الأول من مجلة الإلهام مقالا بعنوان أطوار حركة المرأة التونسية تتبعت فيه بوادر ومراحل الحركة الإصلاحية لفائدة المرأة ومشاركتها الفاعلة في رقي المجتمع وازدهاره مبرزة أقدام المرأة التونسية على تجاوز الحصار الذي يحاول البعض ضربه حولها فنشأت بوادر نهضة تونسية كبيرة سرعان ما تحولت إلى حركة قومية من اجل دعم مكانة المرأة في المجتمع.
في ركن الفن، أوردت المجلة مقالا بعنوان المرأة والمسرح جاء فيه، لابد لكل امة متحضرة من التمثيل المسرحي الذي يعالج مشاكل المجتمع ويحرص على استقامته، ومن مزايا الفن الجميل الممتزج بحياتنا امتزاجا كاد يكون خلقيا السمو بالمجتمع إلى مراتب الرقي... ولكن الحركة المسرحية في بلادنا مازالت تنقصها عدة عناصر ومنها مشاركة المرأة فمتى تقبل المرأة يا ترى على المسرح لتشارك في بنائه من جديد على أسس يسمح لها أن تكون ممثلة شريفة محترمة من طرف زملائها الممثلين. فالمعاهد التمثيلية من حكومية وحرة فتحت أبوابها للراغبات في تعليم التمثيل ومن الواضح أن المرأة تستطيع بهذه الطريقة أن تبلغ القمة في هذا الفن، وما بقي إلا أن تعلم المرأة بان التمثيل أصبح في سائر بلدان العالم مهمة شريفة تساوي التعليم وان الممثل يلقب بالأستاذ وأنا قد اجتزنا الصنف الثاني من القرن العشرين.
في ركن روضة الأدب وردت عديد المواد الأدبية بين قصة وشعر وخواطر وتحت عنوان بين أحضان الطبيعة كتبت نجاة الغرياني خاطرة أدبية. وردت قصة العدد بعنوان سوف أعود بقلم راضية الحناشي. وحفل الركن التاريخي للمجلة بمجموعة من المقالات من أهمها مقال بعنوان المرأة العربية في الأهلية بقلم حسناء الترزي.
ونختتم وقفتنا مع مجلة الإلهام بهذه الطرائف التي وردت في عددها الأول:
الزوجة: أتمنى أن أكون نجمة من نجوم السماء.
الزوج: يا ليت
الزوجة: لماذا هذا التمني؟
الزوج: لان اقرب نجمة تبعد عنا 160 ألف كيلومتر.
نزوج رجل امرأة اكبر منه سنا فكلما سأله أصدقائه لماذا حصل ذلك قال: شيء ضروري أن يكون الواحد اكبر من الأخر ليعقله.
هذا المقال فصل من كتاب يصدر قريبا للكاتب وسبق تقديمه ضمن برنامج نزهة في صحافة الماضي إلي أنتجه لإذاعة صفاقس.
[center][img][/img]