نحن نعيش عصر الفايس بوك
جمهورية الفايس بوك تنشر سلطانها وتهب رياحها منذرة بتحول كبير في حياة الناس وعلاقتهم الاجتماعية والثقافية
تحقيق محمود بن صالح
قال الشاعر الكبير احمد شوقي:
«لكل زمان من جنسه آية *** وأية هذا الزمن الصحف»
كان هذا صحيحا في فترة الثلاثينات من القرن الماضي، عندما شكل ظهور الصحف المكتوبة نقلة نوعية في حياة الناس... حيث جاءت الصحف السيارة لتقرب المسافات وتنقل الأخبار إلى حيث يصل انتشار الصحيفة... مما شكل ظاهرة اجتماعية وثقافية وإعلامية غير مسبوقة... فقد كانت الصحف تطبع ليلا لتوزع فجرا بين الناس!! وتزامن ظهور الصحف المكتوبة مع ظهور الإذاعات أو الراديو، فكان بدوره ظاهرة حضارية جديدة في حياة الناس واحتل مكانة كبيرة في العلاقات الاجتماعية والثقافية... فالراديو على عكس الصحيفة لا يتطلب من صاحبه أن يكون قادرا على القراءة أو الكتابة وإنما يكفي فقط تشغيل زر، لينطق الراديو بما لذ وطاب من أخبار وبرامج وأغان وتمثيليات إذاعية كانت تشد إليها الناس . ولم تدم هيمنة الراديو طويلا فقد ظهر التلفزيون الذي انتشر بسرعة كبيرة وأصبح ثابتا في البيوت يتسمر حوله أفراد الأسرة، وهم يتابعون الأخبار والمسلسلات والأبطال والمذيعين يتحركون ويقرؤون، كأنهم يعيشون معهم... وازدادت سطوة التلفزيون مع ظهور التلفزيون الملون... فإذا الأمر أشبه بأعجوبة!!...
ولكن هل مازالت لكل هذه الوسائط الإعلامية سطوتها ومكانتها الآن... كما كانت من قبل بعد دخول وسائط جديدة وخصوصا الانترنات التي جعلت العالم قرية... وهي وسائط سهلة الاستعمال، وانتشرت بسرعة مذهلة بين الناس خلال السنوات الأخيرة.
لم يعد للصحيفة ولا الراديو ولا لجهاز التلفزيون مكانته التي كانت له في السابق، وزحفت الانترنات على كل شيء، فهي في البيت وفي المكتب، وعلى جهاز الهاتف، وأين ما تكون تكون الانترنات معك.
ومنذ حوالي اقل من خمس سنوات، ظهر على الانترنات الموقع الاجتماعي الأكثر شهرة وشعبية، الفايس بوك، فاحدث نقلة خطيرة غير مسبوقة في علاقة الناس وخصوصا فئات الشباب بالانترنات... ملايين المشتركين من كافة أنحاء العالم وملايين الصفحات على كل لون وشكل وأصبحنا نعيش حقا ظاهرة الصحيفة الشخصية لكل فرد على الانترنات...
لقد دخل الفايس بوك حياة الناس، فاحدث فيها نقلة اجتماعية وثقافية وحضارية خطيرة تتطلب من أهل الاختصاص الدراسة والبحث في دواعي الظاهرة. فأسرار الناس منشورة على صفحات الفايس بوك دون أي رقابة... وأحيانا نستعمل الفايس بوك في هتك أعراض الناس وتصفية الحسابات... والأمر في كل الحالات يستدعي التأمل والدراسة.
وربما السؤال الأكثر إلحاحا الذي يطرح الآن، لماذا يهرب الناس وخصوصا الشباب إلى الفايس بوك للبوح بأسرارهم الشخصية. هل انسدت أمامهم قنوات التواصل العادية، هل رقابة الأسرة هي التي تجعل الشباب يهرب إلى الفايس بوك... هل الحلم المبالغ فيه بتغير الواقع هو الذي يكمن وراء ظاهرة هروب الشباب إلى الفايس بوك؟
ولكن الفايس بوك لا يستعمله الشباب فقط، فهناك شرائح عمرية كثيرة تتعامل مع الفايس بوك وتلتجأ إليه... هل أصبح التعامل مع الفايس بوك يعوض الحرمان الذي يشكو منه الإنسان في علاقته الاجتماعية، فيلجأ إلى البحث عن أصدقاء افتراضيين لا يعرفهم بالضرورة ولكنه يتواصل معهم...
لو كان احمد شوقي حيا بيننا الآن، لغير بيته الشعري الشهير الذي بدأنا به هذا المقال ليكون على الشاكلة التالية:
لكل زمان من جنسه آية *** وأية هذا الزمان الفايس بوك
إنها جمهورية الفايس بوك تفرض سلطانها وترفع رايتها منذرة بهبوب رياح نقلة نوعية خطيرة في حياة الناس وعلاقاتهم الاجتماعية والثقافية.
للتفاعل مع هذا المقال وإبداء الرأي زوروا صفحة مرآة الوسط على الفايس بوك أو متدى مرآة الوسط على نفس الموقع
[center]