جديد الإصدارات
كتاب فيض الوجدان للكاتب محمود الحرشاني جدير بالقراءة والاقتناء
بقلم محسن الحبيب
هو يعرف أني اعشق الكتب واحن إليها وأسامرها وأعاشرها وألامسها... وأجـّل ذويها، فأهداني كتاب فيض الوجدان فوجدته رئي المنظر غريـّه وبعد أن جسـّته أناملي وداعبه بصري أحسست برغبة في محادثته والاشتغال به مستحضرا قول المتنبي:
اعز مكان في الدنيا سرج سابح *** وخير جليس في الأنام كتاب
ولأنه فصول ومقالات بدأته من حيث انتهى متمتعا في فهرسه الذي ضم بعد الإهداء وكلمة أولىـ تطل عليك 34 مقالة فاتحتها دراسة حول شاعر تونس أبي القاسم الشابي بمناسبة الاحتفال بمرور مائة عام على ولادته.
اغلب المقالات نشرت سنة 2009، وثلاث مقالات فقط بما في ذلك الفاتحة من مواليد 2010، وخمس مقالات لم تنشر سابقا أو لم يؤرخ نشرها، واحتضنت وجدانيته في الرتبة الأولى صحيفة الصريح، ثم مجلة مرآة الوسط التي أسسها ويديرها ويرأس تحريرها ثم الموقع الالكتروني دنيا الرأي... فصحيفة الصحافة والحرية والعربي ثم مجلة العربي الكويتية، وقد تنشر الخاطرة الواحدة في أكثر من وسيلة إعلام مكتوبة، وقد جاء في الفاتحة قوله «.. مما شجعني على جمع المقالات التي كنت انشرها في كتاب» ولأنه «مدين للصحافة بأنها أدخلته إلى عالم الأدب...» فان وجدانيته هذه غلبت عليها المسحة الصحفية من منطلق المحبة الصادقة لتونس، وهذا لم يقصه عن مواكبة الأحداث وتسجيلها حسب رؤية لها. ومن بين ما ضمـّه الكتاب نجد ما يمكن أن تطلق عليه بالاخوانيات..(رسالتان من الكاتب جمال الغيطاني وذكريات في البال مع الأديب الراحل محمد صالح الجابري ومع محمد المحسن البواب قبل رحيله...) ولئن تجلى وبدا في هذه الباقة شيء من ذاته ومن ميزاته وقدراته ومؤهلاته... فانك واجد ذلك أكثر في وجدانيته الذاتية... (خواطر مصطاف، واليوم عيد ميلادي، ولا تستغرب وزير على خط هاتفي، وأشجار في حديقة العمر...) والذاتية عنده كانت متفتحة ومنطلقا لتبرز أبعاد ومواقف ورؤى... تبين منها جوانب اجتماعية وهمسات نقدية لا تخلو من التقويم بدلالتيه: الاستهجان والاستمرار. فإذا قربته مهمته الصحفية من السياسة التي اختارها وآمن بها فانه عدل فكره وضبط نبضات قلبه على مقاصد سياسية ورغم أنها محددة ومؤطرة زمانا ومكانا فانه لرهافة حسـّه ويقظة فكره لم يفصمها، ولم يقيدها بحاضرها إنما أومأ لما مضى وتشوف ورنا وتطلع من منظارها المتفائل للاتي متوقفا عند كل اللحظات التي تشير وتبشر بصيرورته.
ولا تثريب عليه أن يكون ذاتيا في فيض الوجدان لأنه في خلجات نفسه وفي أغوار فكره يرى الآخرين، وبفيض أحاسيسه يستحضر الأحداث والمناسبات ليعرضها عل ميزان عقله بكل ما حوى من قيم ومواقف ومعايير يجسم ذلك دون أن ينصـّب نفسه مؤرخا أو باحثا اجتماعيا أو محللا سياسيا أو متبحرا في علم الاقتصاد أو متخصصا في احد فروع المعرفة... وإن لم يدع ذلك فانك تحصد من فيض وجدانه شيئا من ذلك أو تذكيرا به... يحمل بصماته وخياراته وميوله وطموحاته... مصاغة بأسلوب سلس عذب لا يفرض ولا يتسلط ولا يتعالى، إنما يحاورك ويثيرك ويحرك سواكنك ليكون لك منه موقف... ومهما باينته فلا أحسبك تنكر عليه انه شدّك إليه بآرائه وبرؤيته.
والكتاب من أي باب قصدته تلقى فيه جزءا من نفسك ومتاح لك أن ترفضه... أو تقبله، والأثر الذي يحقق ذلك جدير بان تصادقه وتقرأه ووقتها يصبح جديرا بالاقتناء.
[center]