الجوائز العربية للثقافة هل هي استفاقة متأخرة ؟
يبدو أن العرب تيقنوا أخيرا، أن الطريق إلى النهضة المنشودة يمر حتما عبر تشجيع الثقافة، ودعم المبادرات التي تحقق الإضافة في هذا المجال فقد انشغلوا الوقت بأشياء كثيرة، وأهملوا الثقافة حتى ساد شعور لدى الجميع، بأن الثقافة هي آخر اهتمامات العرب والأرقام في هذا المقام، تقوم خير دليل على حظ الثقافة في الوطن العربي. ففي مجال النشر مثلا، يوازي ما يصدر عن الدول العربية مجتمعة من كتب، ما يصدره دار نشر غربية واحدة في العام. ومع ذلك لا نخجل عندما نقول أن صناعة الكتاب في وطننا العربي مزدهرة. وكذا الأمر بالنسبة للدوريات الثقافية المتخصصة وحتى الجامعة الموجهة لعموم الناس. فما يصدر في أقطارنا العربية من مجلات ودوريات محسوبة على الثقافة لا يتجاوز في جملته ما يصدر عن بلد غربي واحد من مجلات ودوريات.
وإذا كنا هنا لا نعمم... فهناك دائما نقاط ضوء تنبعث في العتمة لتضيء الطريق قليلا، وتعيد الشعور إلى المثقف العربي، بأن هناك من يهتم بالثقافة من حكامنا العرب، ويضعها في مرتبة متقدمة من اهتماماته... ولنا في المثال التونسي خير دليل على ما نقول، حيث تعددت في عهد الرئيس بن علي المبادرات الهادفة إلى مزيد دفع القطاع الثقافي والارتقاء به إلى مراتب عليا. وتضاعفت الميزانية المخصصة للثقافة في ميزانية الدولة. وأصبح للثقافة يوم وطني على غرار ما هو موجود بالنسبة للقطاعات الأخرى. وتوفرت العديد من الحوافز والتشجيعات للمثقفين والمبدعين، وآخرها القرار الرئاسي الجريء بأحداث رخصة مبدع، ليتفرغ المبدعون إلى الإنتاج، مع الاحتفاظ بأجورهم التي تصرفها لهم الدولة إذا كانوا من موظفي القطاع العام.
وكذلك الأمر بالنسبة لأحداث الفضاءات الثقافية العصرية مثل أحداث مدينة الثقافة التي تعتبر إنجاز القرن في تونس.
وإذا كانت تونس تشكل دائما الاستثناء الجميل، الذي نرجو أن يعمم... فإن الوضع في باقي الدول العربية، يبعث على الحيرة. والمثقفون والمبدعون هنا وهناك يبحثون عن مكانة الرياضي والفنان وحتى الراقصة في بلدانهم.
ومع ذلك حملت إلينا الأنباء في الأيام الأخيرة مجموعة من الأخبار السارة التي جاءت لتبشر بميلاد وضع جديد للثقافة في وطننا العربي. ومن ذلك ما قرأناه عن أحداث جوائز ثقافية عربية من الحجم الثقيل بدأت تعلن عنها بعض الدول العربية، وتخصص لها أموالا واعتمادات تثير لعاب المبدعين والمثقفين وهناك بعض الجوائز التي يمكن اعتبارها تفوق قيمتها المادية جائزة نوبل ثلاث مرات. إلى جانب ذلك قرأنا كذلك عن استعدادات كبيرة من الجزائز لدعم حركة نشر الكتاب سنة 2008 التي ستكون خلالها عاصمة للثقافة العربية. وبعد سلطة عمان التي أعلنت عن جائزة في خمسة فروع للثقافة العربية، ها هي دبي تلتحق بالمركب لتعلن عن جائزة دبي للكتاب العربي. إننا لا نملك إلا أن نثمن هذه المبادرات ونعتبرها دليل على استفاقة العرب أخيرا وتفطنهم إلى أن نهضة الشعوب العربية تمر حتما عبر الثقافة... وإذا كانت الجوائز التي شدتها الأانظمة والحكومات لا تثير عادة حماسة المثقفين ورغبتهم في المشاركة. فإن ذلك لا ينقص من قيمتها لتكون مع الجوائز التي تصدر عن بعض الهيئات الخاصة والجمعيات والجامعات، مصدر إثراء للعمل الثقافي والإبداعي في وطننا العربي.