من محاضرات احتفالية الثلاثينية
الإعلام العربي وتحديات العولمة
بقلم حاتم النقاطي
أسئلة البداية:
قد يكون الإعلام العربي السمعي والبصري رافدا أساسيا من روافد التنمية في زمن العولمة ولذلك كان علينا أن نعي ضرورة خطورة هذا الجهاز على نحت ذواتنا وحضارتنا في علاقتنا بالشبيه والمختلف.
فكيف تبدو علاقة إعلامنا العربي بهذه العولمة؟
وما هي إمكانات الاندماج في هذا الخطاب الإعلامي الجديد الذي يمتاز بتوظيف آخر المنتجات العلمية داخل حقوله السمعية والبصرية من جهة وبامتلاكه لتوجيه ظاهر وخفي للسلطات ذات الأبعاد النفعية من جهة أخرى؟
1. في الخطاب الإعلامي أو في ضرورة الوعي بالفجوة الرقمية والاتصالية:
لعلها تلك «العولمة» التي يقول عنها «بودريار» «هي عولمة التقنيات والسوق والسياحة والإعلام». كما يبين «عبد الإله بلقزيز» مفارقة في تعريفها تتمثل في:
«يتلازم تمدد العولمة الثقافية مع انحصار السيادة الثقافية وتراجعها في مجتمعات الجنوب عامة وفي المجتمعات العربية خاصة» ، كما يحددها أيضا على أنها من تقنيات الإنتاج والتوزيع والتي تجد في «الصورة اليوم المفتاح السحري للنظام الثقافي الجديد» أننا نتجاوز تعريفها القائم على لا تكافئ تطور الشمال مقارنة بالجنوب إلى تعريف آخر يدخلنا إلى احراج الصورة من باب ذاك الاستهلاك لها وللقيم.
أننا نتوجه إلى مفارقة واضحة تؤسسها الفوارق بين الشعوب وبين الحضارات.
ولعل الإعلام ما استطاع أن يحقق تطوره الملموس أكان ذلك في مستوى التقنيات المعتمدة أو كان ذلك في مستوى التأثير في الملتقى إلا من خلال التعامل مع «الحاسوب» ومع «الانترنات» ومع كل ما يمثل هذه المعرفة الجديدة من مواقع الكترونية و فضائيات تلفزية وصحف ومجلات. لقد كانت كل هذه الوسائل الإعلامية شاهدة بعمق تقنياتها الرقمية على ذاك العالم البصري الخلاق.
وقد تكون «الفجوة الرقمية» عاملا سلبيا لا بد من تجاوزه لتأسيس إعلام عربي جديد يتعامل مع العالم الاتصالي خارج كل فجواته.
في تعريف الفجوة الرقمية:
أن مصطلح الفجوة الرقمية يشير إلى :
«النفاذ إلى مصادر المعرفة من حيث توفر البنى التحتية اللازمة للحصول على موارد المعلومات والمعرفة بالوسائل الآلية أساسا دون إغفال الوسائل غير الآلية من خلال التواصل البشري... ويشتمل إلى جانب النفاذ إلى مصادر المعرفة استيعابها من خلال التوعية والتعليم والتدريب وتوظيفها اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا... ليشمل أيضا توليد المعرفة الجديدة من خلال مؤسسات البحث والتطوير وكذلك في مؤسسات الإنتاج والخدمات» ، أن الفجوة الرقمية تظل عائقا أساسيا في بناء وعي جاد بعملية التلقي البصري في الفن العربي عامة والمغاربي خصوصا.
ولعل هذه الفجوة الاتصالية هي أول عائق داخل ذاك العالم الرقمي المنشود:
«بشكل عام يقصد بفجوة الاتصالات الفرق بين المجتمعات، وبين الفئات داخل المجتمع الواحد، من حيث مدى توافر البنى التحتية، من هواتف وانترنات وأجهزة كمبيوتر ووسائل اتصال وغيرها، وهناك عدة مفاهيم أساسية في بناء وعي جاد بعملية التلقي البصري في الفن العربي عامة والمغاربي خصوصا.
ولعل هذه الفجوة الاتصالية هي أول عائق داخل ذاك العالم الرقمي المنشود:
«بشكل عام يقصد بفجوة الاتصالات الفرق بين المجتمعات، وبين الفئات داخل المجتمع الواحد، من حيث مدى توافر البنى التحتية، من هواتف وانترنات وأجهزة كمبيوتر ووسائل اتصال وغيرها، وهناك عدة مفاهيم أساسية يلزم استيعابها لكي نضفي على ما نقصده بفجوة الاتصالات مزيدا من التحديد وهذه المفاهيم هي:
• مفهوم الخدمة الشاملة universal service.
• مفهوم النفاذ الشامل universal access.
• مفهوم توافر الخدمات availability.
• مفهوم فرص النفاذ accessibility.
• مفهوم القدرة الاقتنائية affordability.
والتالي شرح موجز لكل من هذه المفاهيم:
ا. مفهوم الخدمة الشاملة: يعني إمكان توصيل خط هاتف إلى كل منزل ويقاس بعدد الخطوط المتاحة لكل 100 فرد.
ب. مفهوم النفاذ الشامل: يعرف بإمكان إتاحة خدمات الاتصالات في مجمعات، أو أماكن عامة، على بعد مسافة معقولة يسهل على الجميع الوصول إليها.
ت. مفهوم توافر الخدمات: يقصد به توافر الخدمات في عموم البلد الواحد، ويقاس بطول قوائم الانتظار في المدن، ومدى توافر إمكانات مد الخدمات إلى المناطق النائية.
ث. مفهوم فرص النفاذ: يقاس بعدالة توزيع الخطوط والخدمات لكل فرد من أفراد الشعب من دون تحيز في الجودة أو السعر.
ج. مفهوم القدرة الاقتنائية: يقاس بسعر تقديم الخدمات في مجال الاتصالات بالنسبة إلى مستوى الدخول، ووفقا لمعايير الاتحاد الدولي للاتصالات تعتبر قيمة الخدمة في متناول الفرد، إذا لم تتجاوز قيمة توصيلها 2 % من إجمال الناتج المحلي للفرد، وتكلفة استخدام الخط 5 % من دخله» .
2. في ضرورة الوعي العربي بتحديات العولمة:
أن هذا الواقع العالمي الجديد بمختلف مؤشراته السلبية على واقعنا العربي يفترض علينا أن نعي تحديات الآن وان نتوجه إلى جملة من إمكانات التفكير والفعل لتأكيد انتمائنا لواقع معلوماتي جديد..
ا. تطوير البنية التحتية المعلوماتية:
ا ناول شرط لتطوير الإعلام العربي هو العمل على بناء شبكة اتصال معلوماتية قوامها تطوير البنية التحتية للشبكة الانترناتية بحكم أولويتها داخل هذا العالم الجديد المتميز برقميته وبافتراضي ولذلك عمدت بعض الدول العربية لانتهاج سياسة إستراتيجية لتطوير علاقتها بهذه المجتمع المعلوماتي وتفعيل حضورها داخله برمجة وانجازا واستيعابا لرهاناته.
«أن برامج الأردن المعروف باسم REACH لزيادة جاهزة المجتمع الأردني لدخول عصر المعلومات.
• نجاح تونس والمغرب في إنشاء بيئة تمكينية لتشجيع القطاع الخاص المحلي والأجنبي على الاستثمار في مجال المعلومات، وهو ما أدى إلى التحسن النسبي لهما من حيث مؤشر الجاهزية الشبكية.
• ماحققته دولة الإمارات من انجازات ضخمة في مجال البنية التحتية لمجتمع المعلومات بمستوى يضاهي أعلى المستويات العالمية، ومخططها الجسور لاقتحام عالم اقتصاد المعرفة...
• تحقيق البحرين مستويات متقدمة في مؤشرات استخدام الانترنات، فهي تأتي مباشرة بعد الإمارات، ومما يميز البحرين هو اعتمادها الكبير على عمالتها الوطنية، وإتاحة فرص التعلم واستخدام الانترنات لقطاع كبير من المواطنين.
• نجاح مصر في فترة وجيزة نسبيا في تحسين البنية التحتية لقطاع الاتصالات واشاعة استخدام الانترنات بالمجان لجميع فئات المجتمع المصري.
• تشهد قطر حاليا جهودا كبيرة لتطوير بنيتها التحتية وفقا لمطالب اقتصاد المعرفة.
• نجاح الكويت في إدخال الكمبيوتر في مراحل التعليم المختلفة.
• الخطة الطموحة التي وضعتها السعودية للانتقال بالمجتمع السعودي إلى مجتمع المعلومات الذي يشهد عليه حجم الإنفاق في مجالي الاتصالات والتعليم، وقد حققت الجامعات السعودية تقدما أكاديميا ملحوظا في الآونة الأخيرة.
• انتشار المجمعات التكنولوجية كمدية الانترنات بدبي والقرية الذكية في مصر ومثيلاتها في الأردن وعمان واليمن.
• نجاح الفلسطينية في استخدام الأنترنات على رغم اعتداءات إسرائيل والحصار المفروض عليهم، يشهد على ذلك موقعهم المتقدم نسبيا في هذا المجال، ولا تفوتنا هنا الإشادة بالتجربة الناجحة لجامعة القدس المفتوحة.
• نمو الوعي المعلوماتي لدى كثير من الجماهير العربية، وزيادة اهتمام وسائل الإعلام العربية بالجوانب المتعلقة بالتنمية المعلوماتية.
• ظهور عدة قنوات فضائية عربية ناجحة استطاعت في وقت قصير أن تنافس بندية قنوات الإعلام العالمية.
• المحاولات التي تجري حاليا لبلورة إستراتيجية عربية للتنمية المعلوماتية.
• المبادرة التي أطلقتها اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا لإقامة صناعة محتوى عربية. »
أن هذا التطور في التعامل مع هذا العالم الجديد يقتضي أيضا تأهيل وسائل الإعلام العربي لهذه الثورة وهو ما يقتضي:
ب. خوصصة الإعلام السمعي والبصري على حد السواء وذلك بالسماح للخواص بالاستثمار في هذا الفضاء.
ج. التشجيع على إصدار المجلات والنشريات.
د. في انفتاح المنظمات العربية للثقافة والتربية على الجامعات لتأسيس ثقافة إعلامية علمية:
أن للمنظمات العربية ذات البعد التربوي والثقافي والإبداعي أهمية في تطوير هذه البصرية ولذلك فان انفتاح هذه الجماعات على الفضاء الأكاديمي ضرورة يقتضيها هذا العصر الرقمي والمعلوماتي.
أن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الالكسو» أو «اتحاد إذاعات الدول العربية» أو «اتحاد الكتاب والأدباء العرب» بإمكانها أن تفكر في تطوير آليات تعاملها مع هذه الثقافة الجديدة لتكوين أجيال جديدة في المجال الإعلامي العربي وفي فضاء التلقي البصري.
لعلها دعوة لا تتحقق إلا بإيجاد شراكة بين هذه المنظمات الثقافية والتربوية العربية والسياسية التعليمية للدول العربية حيث تصبح للإعلام في المراحل النهائية للتعليم العالي شهائد في الإعلام العلمي .
لعلها دعوة لتوجيه الاختصاصات الجامعية وبحوث التخصص في مجالي الماجستير والدكتورا نحو هذه الثقافة الجديدة.
لعلها صورة فعلية لتأكيد انتماء «الكل» إلى عصر جديد يتواصل فيه المثقف والمبدع والمتعلم مع ذاته والآخر وفق عين تعي حضارة إعلامية وتقنية متطورة.
ه. في ضرورة تفعيل الدول العربية للمسار الديمقراطي واعتباره الخيار الأساسي للمجتمع.
و. خلق إعلام عربي جديد يتصدى للقوى الغربية المهينة على الاقتصاد والمعرفة والسياسة للدفاع عن قضايا الأمة وتحديدا فلسطين والعراق .
ختم:
أن هذه القراءة هي محاولة لتقديم أسئلة حول الإعلام الغربي في واع قوامه عولمة كافرة بالخصوصية. وهي محاولة لتقديم رؤية أولية لإمكانية وعي جديد بتحديات الآن العربي الإعلامي لمسارعة خطواتنا للنهضة به لقيام إنسان عربي جديد يحترمن ذاته مثلما يحترمه الآخر خارج كل قتل له ولهويته ولإنسانه. لعله سؤال ممكن في زمن عولمة كافرة بالمختلف.
[center]