محمود المسعدي ومجلة المباحث
بقلم : محمود الحرشاني
خاص بمجلة مرآة الوسط و منتدى أصدقاء مرآة الوسط
تعد مجلة " المباحث" التي أصدرها الأديب والكاتب محمد البشروش في الثلاثينات من القرن الماضي، رائدة المجلات الثقافية والأدبية في تونس بحق، فقد قامت هذه المجلة بدور كبير في تنشيط الحياة الادبية والفكرية ببلادنا، والتقت على صفحاتها أرقى الأقلام التونسية وأنضجها، التي كانت تحرر أبواب هذه المجلة وفصولها، وتعاضد جهود الأستاذ الاديب محمد البشروش، وتساعده على تجاوز الصعوبات المادية الكثيرة التي اعترضته عندما أسس هذه المجلة الرائدة والتي صدر عددها الأول في شهر جانفس 1938، ومرت بمراحل كثيرة في حياتها، وكانت في كل مرة تتعرض إلى صعوبات جمة... لولا عزيمة صاحبها وقوته وقدرته على مواجهة الصعاب والتفاف ثلة من أدباء تونس الكبار ومثقفيها حوله وإيمانهم بجدوى مشروعه(1).
وقد ولدت مجلة المباحث منذ عددها الأول، قوية شامخة بما زخرت به أعدادها من مواضيع جيدة وفصول ممتازة لكبار كتاب تونس وأدبائها وشعرائها مثل شاعر تونس الخالد أبو القاسم الشابي الذي نجده بكتب في أول عدد من المجلة، ولئن قام العددان الأول والثاني على جهود صاحب المجلة فإن بقية الأعداد شهدت انضمام العديد من الكتاب والمثقفين إلى أسرة التحرير ممن سنتعرض إليه لاحقا. (2)
قيمة مجلة المباحث :
يذكر الباحث الأستاذ جمعة شيخة في مقدمة الأعداد الكاملة لمجلة المباحث التي قامت بنشرها المكتبة الوطنية بمناسبة مرور خمسين سنة على وفاة صاحبها الأستاذ الأديب محمد البشروش. إن مجلة المباحث لعبت دورا خطيرا في الحياة الأدبية التونسية في فترة من أحرج الفترات التي مرت بها بلادنا... ثم يضيف... هذه المجلة كانت مع الأسف الشديد، بأعبائها الأدبية والعلمية والمادية من أهم أسباب تدهور صحته ثم وفاته، يقصد صاحبها ومديرها محمد البشروش.
محمود المسعدي ومجلة المباحث :
بعد أن تمكن محمد البشروش من إصدار العدد الأول والثاني من مجلة المباحث اعترضته صعوبات مادية جمة، جعلته يعجز عن مواصلة إصدارها ويفكر في حلول بديلة تضمن لمجلته الاستمرار وعدم التوقف، ومن هنا يذكر الباحث الأستاذ جمعة شيخة أن محمد البشروش بدأ يفكر في بعث تعاضدية تتكفل هي بإصدار المجلة وتوفير مستلزمات صدورها المالية ويبدو أن ذلك كان بداية انضمام الأستاذ الكبير محمود المسعدي إلى مجلة المباحث، حيث سيرتبط اسمه باسمها في كامل مراحلها بعد ذلك محررا وكاتبا ثم رئيسا للتحرير إلى أن توقفت هذه المجلة. وهي مرحلة من أهم مراحل حياة أديبنا الكبير الأستاذ محمود المسعدي رحمه الله.
كيف فكر البشروش في بعث التعاضدية ؟
مثلما ذكرنا سالفا، لما اعترضت محمد البشروش صعوبات مالية جعلته عاجزا عن مواصلة إصدار مجلته بدأ يفكر في بعث تعاضدية تسهر على إصدار المجلة وتخفيف الأعباء المالية التي تواجهه، وقداقترنت هذه المرحلة ببداية المرحلة الثانية من عمر المباحث ويذكر الأستاذ الدكتور محمد السويسي في حديث نقله عنه الباحث جمعة شويخة أنه بالفعل تكونت شركة للسهر على طبع المباحث وترويجها وتمويلها متركبة من السادة : محمد البشروش مؤسس المجلة ومديرها ومحمود المسعدي، ومحمد السويسي وعبد الوهاب بكير، التيجاني المحيرصي، والحبيب فرحات وصلاح الدين التلاتلي ومحمود المحيرص (صاحب امتياز المجلة) (4)
من هنا يمكن أن نؤكد على أن بداية انضمام الأستاذ الكبير محمود المسعدي إلى المباحث بدأت مع بداية المرحلة الثانية من حياة هذه المجلة الشهيرة، وجاءت لتحقيق نقلة نوعية على مسارها بتوسيع نطاق أسرة تحريرها وانضمام كتاب جدد إليها والتغلب على عوائقها المالية. (5)
المسعدي كاتب في مجلة المباحث :
وتبدأ علاقة الكاتب محمود المسعدي بمجلة المباحث ككاتب من كتابها مع بداية هذه المرحلة وتحديدا مع صدور العدد الثالث من المجلة الذي هو العدد الأول من السلسلة الجديدة والذي صدر بتاريخ 10 أفريل 1944 وفي هذا العدد نشر محمود المسعدي فصلا بعنوان : مشكلة المعرفة في حكمة القدماء وفلسفة المبتدئين" وقد نشر بالصفحتين الأولى والثانية، ثم تواصلت مساهماته بعد ذلك في بقية أعداد المجلة.
جرد لمقالات المسعدي في المباحث :
سنحاول فيما يلي أن نثبت بالتاريخ وبالعدد (7)، المقالات والفصول التي نشرها الكاتب محمود المسعدي في مجلة المباحث، ونؤكد أن هذه الفصول قد ساهمت في توسيع اشعاع المجلة :
- في العدد الثالث جوان 1944 نشر المسعدي فصلا بعنوان مشكلة المعرفة عند المعري.
- في العدد السادس وهو عدد ممتاز صدر بمناسبة شهر رمضان 1336 هجرية نشر المسعدي أقصوصة المباحث وكانت بعنوان حديث البعث الأول.
- في العدد الثالث عشر وهو عدد ممتاز كذلك نشر المسعدي أقصوصة المباحث وكانت بعنوان حديثان حديث الكلب وحديث البعث.
- في العدد الرابع عشر الصادر في ماي 1945 وبالصفحة العاشرة نشر المسعدي فصلا بعنوان مولد النسيان.
- في العدد 21 الصادر في ديسمبر 1945 نشر المسعدي بحثا أدبيا بعنوان " أبو العلاء فيما بينك وبين نفسك".
- في العدد 42 الصادر في شهر أكتوبر 1944 نشر محمود المسعدي قصة بعنوان " السندباد والطهارة".
إهتمام المسعدي بتطوير مجلة المباحث :
نفهم من هذا أن الأستاذ محمود المسعدي كان شديد الحرص على تطوير مجلة المباحث وهو الذي خصها بفصوله ومقالاته وقصصه... بل أنه خصها بمجموعة من فصول كتابه الشهير " حدث أبو هريرة قال..." وهو من أعز الكتب إلى نفسه
المسعدي رئيسا لتحرير مجلة المباحث
أما المرحلة الأهم في علاقة الكاتب محمود المسعدي بمجلة المباحث، فقد تمثلت في توليه مهام رئاسة تحرير المجلة وذلك بعد وفاة صاحبها ومؤسسها محمد البشروش، وهي مرحلة لم تنقطع إلا بعد سفر المسعدي إلى باريس للمشاركة في مناظرة التبريز، وقد عوضه في هذه المهمة الأستاذ أحمد عبد السلام الذي أشرف على رئاسة التحرير بالنيابة إلى الاعداد الأخيرة للمجلة. (
مرحلة مهمة جدا
إن مجلة المباحث تمثل في اعتقادنا مرحلة مهمة جدا في حياة أديب تونس الكبير الأستاذ محمود المسعدي وساهم بجهده في إنجاحها والتفتح على الأقلام الكبيرة في تلك الفترة من تاريخ تونس مثل محمد الفاضل بن عاشور وعلي البلهوان، والصادق مازيغ، وأحمد عبد السلام، ومحمد السويسي، وعلي الدوعاجي الذي نشر على صفحات مجلة المباحث كتابه " جولة بين حانات البحر الأبيض المتوسط" على حلقات ومصطفى فريد وغيرهم...
المراجع والإحالات :
(1) كتاب رائحة الأرض لمحمود الحرشاني – فصل حول مجلة المباحث. مارس 2004
(2) نفس المرجع.
(3) الدكتور جمعة شيخة – مقدمة الاعداد الكاملة للمباحث. نشر لمكتبة الوطنية 1994.
(4) نفس المرجع.
(5) محمود الحرشاني – حلقة خاصة بمجلة المباحث- برنامج نزهة في صحافة الماضي إذاعة صفاقس. كتاب مهيأ للطبع.
(7) أنظر الاعداد الكاملة نشر المكتبة الوطنية – 1994.
(
أنظر مقدمة جمعة شيخة.
المقال فصل من كتاب سيصدر خلال سنة 2007 للكاتب محمود الحرشاني