مقال
دروس من أحداث سيدي بوزيد بقلم محمود الحرشاني
مدير ورئيس تحرير مرآة الوسط
Mahmoud.horchani@yahoo.comالآن وقد هدأت الامور في سيدي بوزيد بعد أن تدخل سيادة الرئيس زين العابدين بن علي فاخمد الفتيل بما اتخذه سيادته من إجراءات عاجلة لدفع نسق التنمية وإقرار مشاريع وبرامج اضافية من شأنها أن توفر مواطن شغل جديدة وخصوصا بعد المبادرات الإنسانية التي قام بها الرئيس باستقباله لعائلات الشبان الثلاثة ضحايا هذه الأحداث وزيارته للشاب محمد البوعزيزي في المستشفى، والكلمة البليغة التي توجه بها سيادته إلى الشعب التونسي والتي أعادت الامور إلى نصابها... هل يمكن لنا أن نستخلص بعض الدروس من أحداث سيدي بوزيد؟... وهي أحداث في الحقيقة غريبة على مجتمعنا وليست من عادته وتقاليده ولا من ثقافته.
إن الدرس الأول الذي يمكن أن نستخلصه من أحداث سيدي بوزيد هو العمل على حسن معاملة المواطن من قبل الإدارة التونسية وتفهم مشاغله وظروفه وأحيانا حتى «حدته»، فالمواطن عنما تضيق به السبل ولا يجد من يصغي إليه في لحظة ضعف، يتحول إلى وحش كاسر يلحق الضرر بكل شيء حتى نفسه. وهو ما اقدم عليه الشاب محمد البوعزيزي الذي اقدم على اضرام النار في نفسه لأنه لم يتحمل «إهانته» من قبل إحدى اعوان التراتيب البلدية ولم يجد من يصغي إليه لحل مشكلته... ولابد من القول أن عديد الادارات لا تعامل المواطن المعاملة التي يأملها والتي تنص على احترامها المناشير الوزارية، كما أن عديد الادارات لا تكلف نفسها حتى الرد على رسائل المواطنين... هذا هو الدرس الأول وأظنه ظهر واضحا وجليا من خلال حادثة الشاب محمد البوعزيزي التي تولدت عنها أحداث أخطر.
أما الدرس الثاني فهو عجز برامجنا الثقافية والتعبوية والسياسية على تأطير الشباب وحمايته من الضغوط النفسية المسلطة عليه والتي تجعله فريسة لما يتلقاه من شخن من قبل تيارات معادية. وهنا اتساءل عن جدوى ما نقدمه للشباب من برامج تأطير في مؤسسات تعنى بالشباب والتي تستفيد من دعم ومساعدة الدولة. لقد منيت برامج وأنشطة هذه المنظمات والجمعيات كلها بالفشل الذريع، ورأينا غيابها التام في أحداث سيدي بوزيد. وهو ما يستدعي إعادة النظر في برامج هذه الجمعيات والمنظمات وبرامجها وحتى ما تستفيد منه من منح ومساعدات من الدولة، وهذا في اعتقادي هو الدرس الثاني الذي يجب أن نستخلصه من أحداث سيدي بوزيد.
أما الدرس الثالث فهو العمل مستقبلا على مقاومة ما يعتبره الشباب محسوبية وعلاقات خاصة وتوصيات فوقية في الانتفاع بالامتيازات التي توفرها الدولة لعموم الناس من قروض ومنح وتشجيعات مختلفة. وهي ممارسات موجودة وكانت دافعا لتحريك الشباب للتظاهر والاحتجاج. اضف إلى ذلك ما عليه الجهة عموما من بنية اقتصادية هشة وغياب المشاريع العملاقة التي تقنع المواطنين بتدخل الدولة وتوفر مواطن الشغل للشباب.
ويبقى في الأخير موضوع التعاطي الاعلامي مع ما شهدته سيدي بوزيد من أحداث، وفي اعتقادي انه لو بادرت وسائل الإعلام الوطنية منذ البداية بتقديم الحادثة وتسليط الأضواء على ملابساتها، ما تركنا المجال فسيحا للقنوات الأجنبية لتضخم الحدث وتهوله بالطريقة التي شاهدناها. إن غلق الابواب امام وسائل الإعلام الوطنية هو الذي يساهم في قفز القنوات الأجنبية على الحدث لتضخمه.
وقد شاهدنا في هذه القنوات اناسا يتحدثون عن أحداث سيدي بوزيد بشكل استفزازي لمشاعر أبناء الجهة، وهم لا يعرفونها... وهو شيء خطير. إنني اتمنى أن لا تكون أحداث سيدي بوزيد مسألة عابرة فلا نستفيد من دروسها. كما ارجو أن لا يركب البعض ملف سيدي بوزيد، حتى من أبناء الجهة أنفسهم بهدف كسب شعبية أو نجومية مزيفة، وهم فاقدون لكل مصداقية، تحت عناوين براقة تثير الشقفة على غرار ما لاحظناه في بعض وسائل الإعلام الوطنية تحت مسميات مختلفة مثل حكماء سيدي بوزيد وعقلاء سيدي بوزيد وغيرها من التسميات التي لا معنى لها.