البحث عن فكرة .. لمحمود الحرشاني ..أكثر من فكرة لمن يبحث
بقلم :سلوى بن رحومة
البحث عن فكرة مجموعة من الحوارات الصحفية مع شخصيات عربية في ميادين عدة ، ثقافية اعلامية وسياسية اعدها الكاتب والصحفي المحترف ورجل الاعلام المعروف محمود الحرشاني في كتاب عن منشورات لمرآة الوسط لسنة 2006 في طبعة انيقة تحتوي على 109 صفحات دون احتساب صفحات السيرة الذاتية للكاتب . وهو يضم 17 حوارا منها 5 حوارات مع شخصيات نسائية 4 حوارات مع شخصيات فنية وبقية الحوارات لنقاد وكتاب وشعراء وسياسيين.
وقد جاء في صفحات الكتاب الاولى اهداء لهذا العمل توجه به الكاتب الى كل المحاورين فيه والى والده الفقيد في ذكرى وفاته الاولى . هذا الاهداء يحيلنا على شخصية وفية متواضعة كما تنم عنها مقدمته فهو رغم مقدرته على اجراء مثل هذه الحوارات بجرأة فائقة في الطرح وحميمية تجعل المحاورين في قمة الصراحة والعفوية والعطاء يعتبر نفسه محظوظا "اذ توفرت لي فرصة محاورة مثقفين وادباء كبار " وهذا الكتاب كما يعرفه صاحبه "رحلة مع أفكار عدد من كبار المثقفين العرب " يقدمه محمود الحرشاني "اخلاصا للجهد وتثمينا للمعرفة ".
ويفتتح محمود الحرشاني بحثه عن الفكرة مع السياسي التونسي الذي تقلد عيديد المناصب الاولى في تونس والذي يشغل الآن خطة سياسية بمجلس المستشارين هذا الحوار جاء ثريا ينم عن ثقافة ودراية بالادب والمجتمع والسياسة وهذا ليس بغريب عن أستاذ الجامعة وخريج السربون ومؤلف عديد الكتب كـ"الثقافة رهان حضاري " و"أمة تواجه عصرا جديدا " . هذا الحوار الذي جعلني اعتز برجالات تونس ومفكريها و أومن من جديد بان قوام تونس هو العنصر البشري . واختصر ما جاء في الاسئلة السياسية لاقول ان الشاذلي القليبي احد رجالات تونس الذين يحملون مشروعا متكملا في نظرتهم لمجريات الاحداث في الشرق الاوسط و المستقبل العربي لذلك تحدث عن اسرئل بما هي فوق القانون وبنصرة من الولايات المتحدة وكيف تستطيع الدول العربية التقليص من هذا الانحياز لاسرائيل لو تمثل في مجموعتها قوة حوار فاعل يكشف النقاب عن نوايا الولايات المتحدة التي تنتصر لاسرائيل خدمة لمصالحها الانتخابية لا كما يشاع من رفض العرب التجاوب مع ارادة المجتمع الدولي. وعن مستقبل العمل العربي المشترك في ظل التحديات الدولية تحدث عن ضرورة وجود رسالة جديدة لجامعة الدول العربية تهدف الى إنشاء كتلة عربية ذات مصالح اقتصادية وثقافية مشتركة تعطي وزنا سياسيا للعالم العربي على غرار الاتحاد الاروبي . وفي هذا الحوار تساءل الصحفي ورئيس تحرير مجلة مرآة الوسط محمود الحرشاني عن دور وزير الثقافة والى أي مدى يمكن له ان يصنع ثقافة بلده باعتبار الاستاذ الشاذلي القليبي أول وزير ثقافة في تونس وقد جاءت إجابته مشروعا ثقافيا واقعيا متكاملا تحدث فيه عن مهمة الدولة في ارساء أسباب النهوض الثقافي بما يساعد على انطلاق حركة فكرية وفنية وكيف ان وزارة الثقافة يجب ان تكون قريبة من المواطن عارفة بحاجياته معرفة دقيقة وشاملة كما أكد على ضرورة الاهتمام والوقوف على آراء أهل الذكر وكل من يساهم في عمليات الابداع حتى تكون الثقافة موضوع وحاجة كل الفئات لا حكرا على المثقف وانه بذلك فقط يستطيع المواطن مجابهة مشاكل مجتمعه الجديدة ومن هنا يأتي التركيز على وسائل نشر الثقافة حتى لا تبقى الثقافة محصورة في "اهل الثقافة" بعيدة عن سائر شرائح المجتمع .وقد تحدث الاستاذ الشاذلي القليبي في اجابة عن رسالة المثقف في زمن العولمة قائلا ان العولمة فيها من الصلاح والفساد الكثير حسب ما تتوفق اليه المجتمعات الساعية الى الغوص فيها ..ان المثقف عليه تحليل هذه الظاهرة الطاغية بموضوعية وبعد نظر دون الحكم بالانغلاق على مجتمعاتنا ودون انبهار يفضي الى التخلي عن ثقافتنا وحضارتنا "فلا يبقى للامة من مرتكز " كما يحرم هذا الانغلاق الثقافة العالمية من ثراء غزير في ثقافتنا .وهو يرى ان ناخذ من العولمة ما يكفي لتطعيم ثقافتنا بما يتماشى وقيمنا الاصيلة ويساعد على تسريع النهوض بمجتمعاتنا . وبما ان الاستاذ الشاذلي القليبي كان اول مدير للاذاعة والتلفزة التونسية فقد حاوره محمود الحرشاني عن نظرته الى الفضائيات العربية وجدوى تعددها الان . وقد جاءت الاجابة بما يكفي ليعطي نظرة ثاقبة شاملة ملمة واقعية فيها من الوطنية والقومية ما يبني لغد عربي اعلامي في خدمة هذه الامة مؤكدا على ضرورة التخلي على الارتجال والضعف الحاصل في التحليلات السياسية وما يوحي به من ضعف في الثقافة السياسية عن الدول الكبرى يقول "نحتاج ان نفكر بالسرعة المطلوبة وبالواقعية اللازمة " حتى تقوم وسائل الاعلام هذه بمهماتها وهي اعلاء كلمتنا وتغذية الحماس في شعوبنا ..ادراك الواقع والتزام الممكن في نظرة مشتركة بعيدة المدى .
ويلتقي محمود الحرشاني بالدكتور محمد جابر الانصاري في بيروت وهو احد المفكرين العرب وصاحب مؤلفات عديدة في علم الاجتماع والسياسة وفي سؤوال عن دور المثقف الان يجيب بان دوره معرفي لا إيديولوجي يكون التركيز فيه على الجانب الاجتماعي ودراسة خصوصية مجتمعنا الان وأنه من هنا يمكن أن ننطلق لنأسس .ومحمد جابر الانصاري يؤكد اكثر من مرة في اجاباته على ضرورة التركيز على درس مجتمعنا العربي بما هي اول شروط تطويره ... هذه الدراسة الموضوعية التي يتم فيها تسمية الاشياء باسمائها دون خوف من مواجهة الواقع ودون سقوط في التحليلات الايديولوجية او ما تمليه علينا رغبتنا في رؤية الواقع وتصديقا لشعاراتنا .. وهو ما يجعل أي حركة اصلاح تبوء بالفشل لانها لا تنطلق من الواقع وبدرجة عالية من الموضوعية في التشريح والتقييم. و امام ما قاله هذا المفكر نتأكد من جديد ان المجتمعات العربية لا تعاني عقما في انتاج أدمغة ومفكرين من اجل الخروج من الازمة ..من اجل الارتقاء .. بخطوات عملاقة وفي وقت وجيز . فنظرية الدكتور محمد جابر الأنصاري واضحة ولا تشكل استحالة في العمل بها.. وفي حديث له عن العولمة يتفق الدكتور محمد جابر الانصاري مع الوزير الاسبق الاستاذ الشاذلي القليبي في ضرورة ألا نعادي التقدم العلمي بدعوى التحصن ضد اخطار العولمة وإنما علينا تطوير واقعنا وحسم علاقتنا بالتاريخ الذي لا زال يحكم الحاضر وهو يعتقد ان التاريخ يعيد نفسه فيما حاوله المسلمون من قبل في عولمة العالم لذلك علينا قبول محاولة الغرب الان عوملة العالم مع الاستعداد لمقاومة هذه المحاولة لا الوقوف عند هجائها .
وفي حوار أجراه الصحفي والاعلامي محمود الحرشاني مع الاستاذ عبد القادر بلحاج نصر وهو من ابرز كتاب الرواية والقصة القصيرة بتونس يفتح المجال للحديث عن مشاكل النشر والتوزيع وهي معظلة الكتاب في تونس اليوم الذين تتكدس كتبهم الى جانبهم دون الوصول الى القارىء وكانهم يكتبون لانفسهم وإذا حاول احدهم توزيع كتبه باءت محاولاته بالفشل في ايقاف احتايالات الموزعين الذين يستخفون بجهود المبدع لذلك يقول الكاتب والروائي عبد القادر الحاج نصر "أشعر بالحزن واليأس عندما ارى كتبي مكدسة في زوايا البيت " وعن علاقة القارىء بالكتاب تحدث عن ظاهرة العزوف التام عن الكتاب وهذه القطيعة بين المتلقي والكتاب رغم محاولات وسائل الاعلام في التخفيف من حدتها رغم ان بلحاج نصر يؤكد ان كتابته تضرب في عمق تفاصيل قضايا المجتمع الذي يعيش فيه وهو يصر على هذا التوجه في كتاباته اعتقادا منه بان الذي يكتب غير ذلك سيتجه بكتاباته الى نفسه وسيكون بمعزل عن المجتمع وهو اعتمادا على ذلك يكتب مسلسلات للتلفزة. وفي اجابة عن نقله المدقق لتفاصيل الحياة الريفية والمدنية في كتبه كشف لنا بلحاج نصر عن شخصية الروائي وكيف تفجرت لديه موهبة الكتابة من فيض ما عاشه وسط الطبيعة وماتغذى به من مناظرها الآسرة .
الشاعر اللبناني شوقي الامير ومن معه لم يقفوا عند حيز التفكير وتحديد الرغبات وتعداد الانتظارات بل تحولوا الى خطوة عملية أكد عليها الكتور محمد جابر الانصاري حينما قال ان دور المثقف الان معرفي .. وكاني بالشاعر اللبناني شوقي الامير يعمل على تجسيد هذه الفكرة وهو المدير التنفيذي لمشروع "كتاب في جريدة " هذا المشروع الذي يسعى الى نشر امهات الكتب العربية وتوزيعها على نطاق واسع في كامل الوطن العربي مجانا في شكل جريدة دون التغيير في محتوى او شكل الكتاب لمقاومة ظاهرة عزوف المواطن العربي عموما عن القراءة ومن اجل تقريب هذا الكتاب منه وجعله بين يديه دون ان يسعى لذلك وهو بداية لتحقيق حلم اكبر هو تأسيس مكتبة عربية أسرية في كل بيت والمشروع تدعمه منظمة اليونسكو وهويبلغ سنته الخامسة ويتم الان اصدار عدده 55 في سلسلة من المنشورات .. هذا المشروع الذي حمله الينا هذا الحوار وتحدث عنه بحماس ومسؤولية هذا الشاعر اللبناني جعلنا نحس بعمق ازمة القراءة لدى المواطن العربي عموما وجعلنا نتفاءل لان رجالات الثقافة العربية بدؤوا بانجاز خطوة ايجابية من اجل الخروج بالمثقف والمواطن العربي عموما الى مرحلة تتماشى وتطوره على المستويات الاخرى وتساعده على مزيد كسب الوعي لتحديد واقعه وتحدياته بمسؤولية وموضوعية .
محمود الحرشاني قلم وميكرفون رحالة .. يطير الى كل تظاهرة ثقافية .. يحط الرحال في أي بلد عربي ... يتخذه موطنا .. ينهل من أفكار ضيوفه ..ينقلها بامانة الينا تثمينا للمعرفة والجهد كما يقول وها هو يلتقي في المنامة عاصمة البحرين الطيب صالح ومن منا لا يعرف الروائي السوداني صاحب "موسم الهجرة الى الشمال " ومن منا لا يود مصافحة هذا الرجل والاقتراب من شخصه للتعرف عليه والاستفادة منه ومن اهم ما جاء في حواره حديثه عن المناخ الذي شكل شخصية الطيب صالح الادبية و لان اكد الروائي بلحاج نصر ان للمناخ الريفي والنشأة في احضان الطبيعة الضلع الاكبر في تفجير موهبة الكتابة لديه فان للروائي السوداني خيوط اخرى نسجت شخصيته الادبية وشدت وثاقه الى عالم الادب فقد بدأ مدمنا للقراءة في سن مبكرة .. بدأ هذا الروائي كبيرا في قراءاته ينهل من امهات الكتب ويحفظ عديد القصائد ليصبح من اشهر الروائيين ..والطيب صالح من المدافعين عن خصوصية الشعوب وضرورة التشبث بهذه الخصوصية التي تصنع الهوية ضمن اجابته عن دور الفضائيات ولعلها ايضا اجابة عن اجتياح العولمة لمجتمعاتنا وكيف علينا ان نحافظ على ثقافتنا لخصوصيتها إذ يرى ان وظيفة الفضائية التعريف بثقافة مجتمعنا وايصالها للاخر.. أن تقدم مخزونه الثقافي والحضاري بما يقنع باننا اصحاب ثقافة وحضارة متينة راسخة وإن استوجب الامر ان نخاطب هذا الاخر بلغته لنضمن استيعابه صورتنا الحقيقية . وقد ختم معه محمود الحرشاني بالحديث عن تكريمه في تونس متطرقا الى عديد الاعلام والعظماء الذين زارو تونس والذين من بينهم طه حسين سنة 1957 في افتتاح الجامعة التونسية ولالقاء أول محاضرة بها ومخائيل نعيمة الذي زار تونس سنة 1961 وتحدث بنفسه عن هذه الزيارة الباقية في الذهن في كتابه "الرسائل".
مصطفى ناصف الذي كان من بين المحاورين في هذا الكتاب قدمه محمود الحرشاني كأبرز النقاد في العالم العربي في الوقت الحاضر. صاحب عديد المؤلفات وحاصل على جائزة تلك الدورة للنقد لعبد العزيز سعود البابطيين بفاس ..والناقد مصطفى يحصر مقومات منهجه النقدي في المودة التي يعتبرها اساس أي كتابة نقدية ويجعلها قوام العلاقة بالنص ومن اجل تبليغ النقد يرى انه على الناقد استغلال جميع الادوات في سبيل نوع من التواصل بين الناقد والكاتب والقارىء هذا الثاثوث الذي وصف تواصله بالمتعثر جدا وأرجع هذا التعثر الى عدم استخدام الناقد وسائله وقلمه في سبيل الاقتراب من القارىء بتوضيح الالام القومية والمتاعب الاجتماعية ..الحديث عن مشاكل الانسان العربي وهي مواضيع تستجيب لاحساس المتلقي بالمشاركة في متاعبه وآلامه ..وتجعله داخل دائرة التلقي والتفاعل مع الباث سواء كان ناقدا أو كاتبا وما يحزن مصطفى ناصف أننا قوم نعجز على ان يرى بعضنا بعضا .. وهو يرى ان المودة التي ننشدها في عمل النقد هي اساس العلاقة بين الناس وان تصبح بضاعة فاسدة فذلك ما يعيق هذا التحاور والتجاوب ..وكانه يدعو لاعادة النظر فيما ضيعناه من سلوك حسن ومقومات شخصية لنا ان نحتفظ بها لانها تشكل الحاضر وستكون قوام المستقبل ..و في نهاية هذا الحوار مع الناقد مصطفى ناصف ستصدق أن الناقد ليس شاعرا لم يفلح وانما شاعر يفلح ..
وياتي حوار الصحفي محمود الحرشاني مع المستعربة الايطالية ايزبيلا كاميرا دافليتو التي التقاها في دبي في حفل توزيع جوائز مؤسسة العويس الثقافية وهي من نقلت عديد الاعمال من العربية الى الايطالية الى جانب اشرافها على سلسلات عديدة لدور نشر ايطالية . تتولى نشر مختارات من الادب العربي ومن بينها سلسلة "ذاكرة المتوسط" . تاتي هذه المراة لتذكرنا بحوار الحضارات بجدواه بين الثقافات لما يحملنا اليه من تفتح على الاخر ويصل بنا الى تقارب ينآ بنا عن أي تطاحن .وهي تقول بان المتلقي الايطالي كثيرا ما استفاد من قراءته للاعمال العربية من خلال الترجمة واكتشف فيها اعمالا خالدة.وهي مطلعة على الادب العربي من خلال جولاتها في البلدان العربية ومن خلال احتكاكها باعلامه الادبية ومواكبتها لوسائله الاعلامية المكتوبة .مما يمكنها من موضوعية في اختيار اي اثر تترجمه وهي لا تستثني شيئا من الذاتية في هذا الاختيار بما يتفق مع مصطفى ناصف في وجود هذه المودة التي تجعلك تتآلف مع هذا الاثر وتغوص فيه دون غيره فمن احلام هذه المستعربة ترجمة اغاني الحياة للشاعر التونسي الشابي وهو شاعر لا نشك في قوة مضامينه وإنما ان يكون حلم ايزبيلا ففي ذلك شيء من الذاتي الذي ربطها به وبأعماله بالذات .والشابي ليس التونسي الوحيد الذي اهتمت به ايزبيلا فقد ترجمت لعلي الدوعاجي "جولة بين الحانات المتوسط" وبصصد الاشراف على ترجمة "نهج الباشا " لحسن نصر وتستعد لترجمة اعمال محمود طرشونة ومحمد رشاد الحمزاوي وعز الدين مدني وصلاح الدين بوجاه مما يستوجب كما تقول مساعدة الحكومة التونسية لتحيقيق هذا المشروع .
ومن اجمل الحوارات في "البحث عن فكرة" ما دار بين محمود الحرشاني و الشاعرة الفلسطينية من حديث ..هذه الشاعرة التي حق لها ان يقدمها الصحفي والاعلامي محمود الحرشاني بهذا الاطناب وهذا الجمال وبعد تهنئتها بجائزة الشعر لدورة ابوالقاسم الشابي من مؤسسة عبد العزيز سعود البابطيين للابداع تحدثه الشاعرة عن طقوس الكتابة ولحظاتها .. عن الشيخوخة وخوف الزمن عن القصائد التي تكتبها لفدوى فقط .. عندما تحدثت عن صقوس كتابة القصيد عن اختلافها من قصيد لاخر .. عن مخزون ما يتراكم في الداخل ليخرج في لحظة ما بدافع ما ..وبدون استئذان .. عن معاناة شعرية تقودها الى فوضى حتمية بلا جدال ...عبرت عن غموض نعيشه اثناء كتابة القصائد ونتساءل ان كانت هذه حالة عامة ام أنه توتر يصيب العبض دون الاخرين.. هذا الاحجام وهذا الخروج المفاجىء للقصيدة شبه بين الشاعرة فدوى طوقان والمولعين بكتابة الشعر .. حالة نمر بها من اجل أبيات نقرأها في دقائق على المنصات .. وفي جراة كبيرة تتحدث فدوى طوقان عن قصائد تكتبها لنفسها فقط .. لم تقم بنشرها ولن تفعل .. و عن حضور الزمان في تسميات دواوينها وعن معنى ذلك .. تحدثت الشاعرة الفلسطينية عن ديوان "أقف على قمة الدنيا وحيدا " بما هو اقرب ديوان اليها لانه كتب في مرحلة النضج وهو السادس في تريب دواوينها وهي صاحبة سبعة دواوين إجمالا .. وفي حديثها عن مرحلة مرحلة النضج تتحدث فدوى طوقان عن مرحلة تخافها لانها تبتعد بنا كما تقول عن التفكير السليم وهي تستشهد بالحالة الصحية التي عليها نازك الملائكة لذلك فان الشاعرة تخاف الزمان لان تقدمه يوحي بالخسارة وهي لذلك تسميه باللص .. لص كبير .. يسرق الطفولة .. والصبى ..والجمال .. يسرق منا في النهاية الحياة ... وكاننا في حضرة شاعرة فيلسوفة لا امرأة تخاف التجاعيد وسقوط وردة الصبى فقط هذه الشاعرة التي أقرب الكتب الى قلبها الرواية .. تقول بان "الرواية من الفنون المحببة الى نفسي .. تاخذ الحياة باكملها .. تصور حياة الانسان بما ينطوي عليه من ..عظمة .. قدرة على الاضافة والابداع " ولعله من اسباب نجاحها كشاعرة عدم انغلاقها على الشعر وانصهارها في كل وجوه الحياة من خلال الرواية ..فكانت قريبة من الناس كما احب ان يكون بلحاج نصر من خلال كتاباته دائما.
وإذا اضفنا الى الابداع "حرية " الى أي مدى يتوفر ابداع حقيقي ؟ هذا تقريبا ما ساله محمود الحرشاني للسنمائي النجم نور الشريف الذي اعتبر ان مقدار الحرية في السنما ضئيل ومحدود "حتى داخل امريكا حيث تمثال الحرية "وان تشبثه بهذا الهامش من الحرية قد يكلفه الكثير فعندما أنجز "آخر الرجال المحترمين" بقي 4 سنوات عاجزا عن الانتاج وهو لذلك يتحدث عن ضرورة الانخراط في انتاج الافلام التجارية من اجل البقاء في سوق السنما وان من يسعى الى مساحة حرية اكبر عليه الاتجاه الى المسرح لانه فن غير معلب كما يسميه .هكذا تحدث نور الشريف عن الحرية ليتحدث النجم الراحل احمد زكي عن الصدق في الاداء وما يقابله من تكريم واعتراف واحترام من الجمهور المتلقي لهذا الفن الصادق .. وهو مندهش من تقدير الناس لهذا الاحساس اللامادي فهو لا يقدم لجمهوره اشياء مادية كالخبز مثلا على حد قوله .. ومع ذلك فان هذا الجمهور يقدر هذه الاحاسيس التي قدمها له الفنان مما يشجعه على مزيد العطاء ويؤكد له بانه على المسار الصحيح وهو يعتبر نفسه سنمائي " متخصص في تقديم الانسان ..ارصد الشخصيات .. السياسي .. والاجتماعي .. احاول ان اقدم كل الشخصيات التي تعترضني في الحياة " احمد زكي الذي رحل لتبقى كلماته شاهدة عليه ..
ولعلها من بين ايجابيات هذه الحوارات ان ندون لشخصيات ربما غادرتنا فجاة لتترك لنا بصمة في اكثر من ميدان لتبقى مرجعا .. شاهدا وذكرى ..
هذا بعض ما قدمه الينا الصحفي والكاتب ورئيس تحرير مجلة مرآة الوسط محمود الحرشاني في "البحث عن فكرة " من خلال مجموعة من الحوارات حاول ان يقدم لنا فيها هؤلاء المحاورين في ثوب آخر ويكشف لنا فيهم عن وجه آخر صمتت عنه آثارهم وكتاباتهم ومن اجل تثمين جهودهم فيما قاموا به وفيما يحاولون القيام به من اجل المواطن العربي اينما كان وهو ما يجعلنا ننتظر ان نقرا لمحمود الحرشاني حوارات اخرى يطير بها الينا بعد جولات في اقطار العالم العربي نكون من خلالها مطلعين على اعمال وتطلعات اعلامه ومبدعيه .