مؤلف هذا الكتاب هو الباحث والمؤرخ الدكتور محمد القوزي، أستاذ التاريخ بجامعة بيروت العربية، له العديد من المؤلفات في الحقل التاريخي، منها: تاريخ الشرق الأقصى الحديث والمعاصر، والعلاقات الدولية في التاريخ الحديث والمعاصر، والنظم السياسية عبر العصور، ودراسات في تاريخ العرب، ودراسات في تاريخ أوروبا الحديث والمعاصر.
في البداية يرى الكاتب أن ندرة الكتابات حول منطقة وسط وجنوب قارة إفريقيا كانت سبباً رئيسياً دفعه لإلقاء الضوء على تاريخ تلك المنطقة التي تشبعت بأحداث لم يخل الاستعمار من دور مهم في اختلاقها، سواء من عمليات استعمارية بدأت مع الحركات الكشفية في القرن السادس عشر، وصولاً للاستعمار في شكله الحديث الذي ما زالت تعاني بسببه القارة الكثير من عدم القدرة على استغلال مواردها الكامنة بالطرق المثلى.
يتحدث المؤلف عن الأسباب التي دفعت الدول الأوروبية لاستعمار القارة في القرن التاسع عشر، والتي تباينت بين ما هو ديني وما هو اقتصادي واستراتيجي، علاوة على الأحوال الداخلية في بعض تلك الدول الأوروبية والتي دفعت حكوماتها لتحويل أنظار مواطنيها بعيداً عن المشاكل الداخلية نحو أعمال تلك الحكومات بالخارج. كما كان الاستعمار حلاً لمشكلة زيادة السكان بتوفير مستعمرات سكنية دائمة بغرض السكن، ومستعمرات اقتصادية بغرض الحصول على المواد الخام.
لقد مر الاستعمار الأوروبي للقارة بثلاث مراحل: الأولى وهي مرحلة الحماية (1886- 1914)، والثانية وهي مرحلة الانتداب(1918- 1939)، والثالثة وهي مرحلة الاستقلال سواء كان منحاً أو انتزاعاً (1945- 1962).
ويوضح الكتاب الدور السلبي للاستعمار الأوروبي، والذي انعكس على شكل الخريطة الافريقية والذي تؤكده التقارير الصادرة عن اللجنة الاقتصادية التابعة لهيئة الأمم المتحدة حول افريقيا الغربية، والتي تؤكد فيه على عدم وجود منطقة أخرى بالعالم بها هذا العدد من الدويلات الصغيرة حجماً وسكاناً وإنتاجاً. كما كانت تلك التجزئة عقبة في طريق الوحدة الافريقية.
ومن الآثار السلبية لذلك الاستعمار ضعف وفساد الجهاز الحكومي، وتدهور الزراعة وخلل الملكية الزراعية، وانهيار مستويات التعليم والصحة والخدمات العامة، وخلل الهيكل التجاري الذي كانت تجارة الرقيق مكوناً أساسياً من مكوناته، فقد وصلت أول شحنة من الرقيق الافريقي من غانا إلى هاييتي عام 1510م، وإلى كوبا عام 1521م، حتى بلغ عدد الرقيق في المستعمرات الإسبانية حوالي أربعين ألفاً، كما نقل البرتغاليون من عام 1530م إلى عام 1600م إلى القارة الأميركية حوالي المليون عبد افريقي، وكانت غانا والكونغو وساحل العاج وأنغولا وموزامبيق من أهم مصادر توريد ذلك الرقيق.
وتدفق الرقيق الاثيوبي والسوداني والصومالي إلى أسواق الرقيق وكانت زنجبار (تنزانيا الحالية) هي مركز تجميعه في شرق افريقيا. وقد أدى اشتداد المنافسة بين الدول الأوروبية بعد عام 1880م إلى الاندفاع نحو غزو افريقيا بشكل لم يسبق له مثيل، وبحلول العقد الأول من القرن العشرين كانت كل الدول الافريقية منزوعة السيادة
وأصبحت السيطرة الفعلية على الأرض هي الشرط المقبول للاعتراف الدولي بالممتلكات الأوروبية في افريقيا. وقد ترتب على ذلك قيام البدايات الأولى لحركات التمرد والمقاومة والتي نفذها الفلاحون(الهروب من المستعمرات- التهرب من دفع الضرائب- الفرار عبر الحدود)، والجنود الأفارقة الذين تمردوا على قادتهم الأوربيين احتجاجاً على تدني الرواتب وعدم انتظامها، ومن ناحية ثانية سوء المعاملة والاحتقار من قبل هؤلاء القادة.
وقد أدت تلك المعطيات للبحث عن صيغة مقبولة للتعايش مع المستعمر وبشكل يضمن حداً أدنى من الحياة الكريمة للسكان الأصليين، وكان ذلك بداية حركات الاحتجاج السلمي من أجل الحقوق المدنية، ومن أشهر تلك النماذج (المؤتمر الوطني) بجنوب افريقيا، والذي تأسس عام 1912م من النخبة السياسية المسيحية والتي تعلمت على أيدي الإرساليات التبشيرية الأوروبية مثل: جمعية آباء فيرونا، وجمعية المبشرين البريطانية، وجمعية المبشرين المتحدة. وقد دعت تلك النخبة إلى التعاون الإثني بين القوميات والطوائف والأعراق المختلفة، علاوة على تبنيها اللاعنف والمادية الرأسمالية.
وفي فترة ما بين الحربين العالميتين حدث تطور لأساليب ومظاهر الكفاح الوطني الافريقي، وبدعم من الدول الاشتراكية عقدت بعض المؤتمرات الدولية لمناهضة الاستعمار مثل: مؤتمر بروكسل 1927م، ورابطة مناهضة الإمبريالية. وقد كان السماح بتكوين الأحزاب السياسية ومنظمات الشباب والجمعيات المدنية والدينية وانتشار الصحف والمذياع وتطور وسائل النقل والمواصلات عاملاً محفزاً على تعجيل الكفاح الوطني الافريقي ومعاداة الاستعمار ليتخذ أشكالاً أكثر عمقاً وأوسع انتشاراً، مما أدى إلى التحرك نحو الإطاحة بتلك النظم، و كانت لنتائج الحرب العالمية الثانية وخروج بعض الدول المنتصرة منها على حال أضعف مما كانت عليه قبل الحرب مثل فرنسا والتي وإن كانت من الدول المنتصرة في الحرب، إلا أنها كانت أكثر الدول الأوروبية انتظاراً لمشروع «مارشال» لإعادة اعمار أوروبا بعد الحرب شأنها في ذلك شأن أضعف دول أوروبا، وانجلترا التي لم يعد لها القدرة على السيطرة على تلك الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس،وأفسحت لشريكها الاستراتيجي الجديد وهو الولايات المتحدة الأميركية والتي كانت أقل الدول المنتصرة تعرضاً للأضرار العسكرية أو الاقتصادية، وهزيمة دول ذات مستعمرات بإفريقيا مثل إيطاليا وألمانيا والتي وضعت مستعمراتها السابقة تحت نظام الانتداب.
وبحلول العقد السابع من القرن العشرين كانت كل المستعمرات الإفريقية قد نالت استقلالها السياسي، عدا بعض الجيوب الصغيرة، وإن كانت تلك الدول المستقلة حديثاً قد ارتبطت مع الدول الاستعمارية بعلاقات شراكة (سياسية اقتصادية) على قدر كبير من القوة حتى الآن، وفي هذا الصدد يشدد المؤلف على أهمية عدم إغفال حقيقة الدور الذي تمارسه بعض القوى الأوروبية في افريقيا مثل: فرنسا ودورها في أحداث ساحل العاج وغينيا ـ وبلجيكا وعلاقتها بالكونغو (زائير).
ومع ظهور المنظمات الدولية والاتحادات الإقليمية، كان لابد للدول الافريقية -لاسيما وأنها حديثة العهد بالاستقلال- أن تتلاحم فيما بينها درءاً للأخطار، وطلباً للقوة التي يمنحها الاتحاد، فكانت منظمة الوحدة الافريقية والتي بدأت الاجتماعات والمؤتمرات الإعدادية لها في مؤتمر بروكسل عام 1921م، ثم مؤتمر الجامعة الافريقية في لندن عام 1923م، وفي نيويورك عام 1927م، ومانشستر عام 1945م، ثم مؤتمر غانا عام 1958م، ومؤتمر الوحدة الافريقية في أديس أبابا عام 1960م. وعلى طريق الوحدة انعقد العديد من المؤتمرات مثل: مؤتمر القاهرة 1961م، ومؤتمر ليوبولدفيل 1961م، ومؤتمر أديس أبابا 1963م. قد كان الهدف من تلك المؤتمرات تدعيم دول المنظمة حديثة الاستقلال، وحل المشكلات العالقة بين الدول خاصة تلك الحدودية (تنقل القبائل الرعوية عبر الحدود خاصة في مواسم سقوط الأمطار)، وحل النزاعات القبلية (خاصة إذا ما كان لتلك القبائل اليد العليا في تثبيت أركان نظام الحكم بتلك الدول) ، وردم الهوة بين الاختلافات الأيديولوجية بين القيادات السياسية لتلك الدول (حيث تبنت بعض الدول نظم الاقتصاد الاشتراكي في الفترات الأولى لاستقلالها)، كما كانت الرغبة في القضاء على مظاهر التخلف الاقتصادي والاجتماعي والسياسي هدفاً رئيساً لتلك المنظمة.
وأخيراً يبقى التساؤل: هل تستطيع هذه القارة أن تزيل آثار الاستعمار وتسير في ركب العالم المتحضر، أم تبقى جامدة تتخبط في نزاعاتها المحلية متردية في الفقر والجهل والمرض، وهم ما لا ينتظره الأفارقة الذين يدركون الثروات الحقيقية الكامنة في أراضيهم، والراغبون في الانتقال بقارتهم إلى المستوى اللائق بها.
عن موقع جريدة البيان الإمارتية