قراءة في كتاب
بلا قيود
كتاب جديد للكاتب والصحفي محمود الحرشاني
رحلة في عالم الأدب والسياسة والفن أو شهادة صحفي على عالم متحول
صدر هذه الأيام للكاتب والصحفي التونسي محمود الحرشاني كتاب جديد ضمن سلسلة كتاب مرآة الوسط وهي سلسلة تعنى بنشر الكتب وتصدر عن المجلة التي يرأس تحريرها الكاتب نفسه، ويحمل هذا الكتاب عنوان «بلا قيود، في الأدب والسياسة والفن» وهو يقع في نحو 110 صفحة من القطع المتوسط. جاء في إخراج جميل وطباعة أنيقة وبداية نقول أن محمود الحرشاني كاتب وصحفي غزير العطاء. وقد أصدر خلال السنوات الثلاثة الأخيرة مجموعة من الكتب مثل كتابه رائحة الأرض، 2004، ومذكرات صحافي في الوطن العربي، 2005، والبحث عن فكرة، 2006، وهو إلى جانب ذلك كاتب مساهم بمقالاته في عديد الصحف والمجلات التونسية والعربية مثل الفيصل العربي والرافد والعرب والزمان والقدس العربي.
العنوان ودلالاته
بودنا أن نتوقف أولا عند عنوان لكتاب ودلالاته فـ «بلا قيود» وهو العنوان الرئيسي للكتاب يرمز في اعتقادنا إلى تحرر الكاتب من كل ما شأنه أن يحد من حريته في التعبير والكتابة ولإن حصر الكاتب اهتماماته في مجالات (الأدب والسياسة والفن) فلاعتقاده بان أي كتابة مزيفة أو تحت طائلة القيود في هذه المجلات بالذات تفقد صدقها ومزداقيتها ولذلك أراد الكاتب أن تكون كتاباته خارجة عن إطار أي قيد يحد من حريتها وصدقها وعفويتها.
محتوى الكتاب
يتضمن هذا الكتاب الجديد لمحمود الحرشاني مجموعة من المقالات والنصوص والأبحاث في عديد المجالات. سبق للكاتب أن نشرها بدوريات وصحف تونسية وعربية وقسم المؤلف كتابه إلى أربعة أقسام وهي:
. المكان زمان أيضا؛
وفيه نشر الكاتب مجموعة من المقالات والدراسات التي تتحدث عن مدن تونسية وعربية مثل توزر وقابس وقفصة وقمودة وبيروت. وفي هذه المقالات يعود الكاتب إلى التاريخ فيتحدث عن صفحات مجهولة من تاريخ هذه المدن كما يتحدث عن حاضرها وما يميزها من معالم حضارية ونشاط ثقافي.
. مع الأدباء؛
وهذا القسم من الكتاب يتضمن مجموعة من المقالات والأبحاث حول أدباء وكتاب تونسيين وعرب حيث نجد الكاتب يخصص فصلين للحديث عن الأديب الكبير محمود المسعدي ومجلة المباحث التي تعتبر رائدة المجلات الثقافية في تونس كما نجد مقالات مطولة عن الشاعر محمد الحضري النائلي والدور الذي قام به لتنشيط الحياة الثقافية والأدبية في ربوع سيدي بوزيد والمناطق الأخرى التي عمل بها معلما وهو فصل فيه رد اعتبار لمكانة هذا الشاعر وفي هذا القسم كذلك مقالات عن عبد القادر بلحاج نصر وعز الدين المدني ومحمد الماغوط وفدوى طوقان. في النص الذي يتحدث فيه عن المسعدي يقول محمود الحرشاني لقد حمل المسعدي في فكره ووجدانه طموح جيل من المثقفين البناة الذين كانوا يناضلون من اجل بناء ثقافة تونسية أصيلة مواكبة لروح العصر ومتحررة من الجمود والتكلس.
ويورد في هذا الفصل مجموعة من الشهادات والأقوال لأدباء تونسين وعرب لتأثير المسعدي في حياتهم ومكانته الأدبية في تونس والعالم العربي، من ذلك قول يوسف القعيد الروائي المصري، أن محمود المسعدي يعد واحدا من اعمدة النص الروائي العربي ليس في تونس وحدها ولكن في الأدب العربي عموما، أما الاديب عبد التواب يوسف فقد وصف المسعدي بالأديب الناجح الذي استطاع بين جيل الرواد أن يفرض نفسه على الساحة الأدبية العربية وقال عنه محمد الغزي الشاعر التونسي ، أن المسعدي يمثل حداثة النص السردي مثلما يمثل شعر الشابي حداثة النص الشعري.
وفي هذا القسم كذلك نجد مقالات عن الجموسي الشاعر والفنان وقراءة في كتاب رسائله، ومقال آخر يتحدث فيه المؤلف عن علاقته بالأديب والروائي عبد القادر بلحاج نصر والصداقة التي تربط بينهما، كما نجد حوارا نادرا مع الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان.
. حصاد الصحافة
القسم الثالث من هذا الكتاب سماه المؤلف حصاد الثقافة ويعتبر انه من أهم أقسام الكتاب، ففي هذا الفصل نجد مجموعة من المقالات هي إلى الشهادات والذكريات اقرب منها إلى المقالات، وفي بدايتها نطالع فصلا بعنوان يوم غير حياتي يتحدث فيه المؤلف عن بداية علاقته بالصحافة والإذاعة والتي بدأت بمراسلة برامج إذاعية ثم تحولت إلى علاقة امتن لما دعته إذاعة صفاقس التونسية سنة 1975 إلى إنتاج برنامج إذاعي ولم يكن ينتظر هذه الفرصة التي أدخلته إلى عالم الصحافة والإذاعة.
ومن مقالات هذا القسم من الكتاب اللقاء الأخير مع الماغوط والجائزة المغاربية للثقافة ورمضان في تونس ومهرجان قفصة للمسرح في دورته العاشرة والدراما التفزيونية بين المحلية الانتشار العربي والإنتاج الفكاهي في وسائل الإعلام السمعية والبصرية.
وفي هذا الفصل بالذات يتحدث الكاتب عن غياب الأغنية الفكاهية والمسرحية الهزلية عن برامج الإذاعة ومتسائلا عن اسباب هذا الغياب هل تعود إلى صعوبة الكتابة، أم إلى انعدام تقاليد في هذا المجال، هل أن الزمن لم يعد يسمح بالابتسامة، منا تساءل المؤلف عن غياب الصحافة الهزلية في تونس اليوم رغم أن البلاد كانت تزخر في الخمسينات والستينات بعديد العناوين الصحفية ذات التوجه الهزلي.
. حصاد الأيام
جاء القسم الرابع من الكتاب تحت عنوان حصاد الأيام، الذي فيه أدرج المؤلف المقالات ذات الطابع السياسي، فنجده يتحدث عن الحرب الأخيرة على لبنان وتألق الإعلاميات العربيات في تغطية هذه الحرب ومواضيع أخرى على غرار البرامج الحوارية في القنوات التلفزية، تونس عاصمة دولية للتضامن، وماذا بعد فشل مهمة كولن باول في الشرق الأوسط، ألا إن الساعة ساعة جد، ومن يريد سرقة الانتصار؛ مقالات ذات جرأة كبيرة تسلح بها المؤلف في كتابة مقالاته والتي أعطت في رأينا لهذا الكتاب قيمة كبيرة لأنه يخرج من دائرة التوثيق الصحفي اليومي إلى الكتابة عن شأن يتصل بكيان الوطن ككل...
في هذه المقالات تغيب صورة محمود الحرشاني الكاتب لتحضر صورة محمود الحرشاني الصحفي المتابع للأحداث.
. ليس شعر ولكنه أحلى كلام
أما القسم الأخيرة من الكتاب فقد جاء تحت عنوان ليس شعرا ولكنه أحلى كلام وفيه أدرج المؤلف مجموعة من القصائد واللوحات لعلها تروح عن النفس بعدما أصابها من تعب وإرهاق وهو يتنقل بين اقسم الكتاب الموغلة في الجدية والدسامة والصرامة لحيانا.
في هذا القسم نقرأ مجموعة من المقطوعات والقصائد كتبها المؤلف وهي صورة أخرى لا نعرفها عن محمود الحرشاني
يقول في قصيدة بعنوان خمسون
خمسون من الأعوام ... قد مرت
يا لأيامي ... التي هربت وولت
لا شيئ كان يصدها
في زحفها نحو المدى ...
ويرتد إلى سمعي الصدى
عام قديم مضى ...
عام جديد قد أتى ...
حضور الوطن وفضل الصحافة
يقول المؤلف في مقدمة الكتاب «الخيط الرابط بين مقالات هذا الكتاب وهو محبة الوطن وعندما نحب الوطن ننطلق في حبه بلا قيود فلا حدود عندي لمحبة الوطن والإخلاص له، كما يتحدث عن فضل الصحافة عليه فيقول «إني مدين للصحافة ولعملي بها وبهذا الكتاب... رغم أن الذي يكتب للصحافة، يكتب بأعصابه لا بقلبه ويضحي بأشياء كثيرة أخرى فإننا لا نملك إلا أن نحب هذه المهنة ونخلص لها ويعطيها أقصى ما يستطيع أن يعطيه محبوب لمحبوبته.