الروائية الأمريكية ريككي دوكورنيت تشذب كتبها من الاعشاب الضارة وتجيب عن اسئلة متمادية
الكتابة تصيبني بالذعر أو تجعلني أضحك بصوت عالٍ
حوار: ليزا كافاتشاك
ترجمة: بشارعبدالله
ريككي دوكورنيت مؤلفة لسبع روايات بضمنها (الغزال)، و(استعلام صانع المراوح)، و(فسفور في ارض الأحلام)، و(اللطخة) و(خزانة اليشم) و(نافورات نبتون) وروايات أخري. فضلا علي إنجازها مجموعتي قصص قصيرة هما(مفردة رغبة) و(حكايات القصّاب الكاملة)، كما أصدرت ست مجموعات شعرية، منها (مهرة القيصر) وكتابين للأطفال، إلي جانب كتاب يضم مقالات بعنوان (المتوحش والمدهش). هذا وحظيت أعمالها بدخولها في أنطولوجيات مهمة فضلا علبي ظهورها في العديد من الصحف الأدبية ونشرت أعمالها إلي سبع لغات. كما تتخصص ريككي بالرسم وقد عرضت أعمالها المرئية في معارض عالمية. وعلي صعيد التكريم، فقد حظيت ريككي علي جائزة مؤسسة لانان الأدبية ورابطة كوبلاند كوللوكيم، وجائزة اختيار ناقد وجوائز أخري. عاشت ريككي في كل من فرنسا، وشمال أفريقيا، وأمريكا الجنوبية وكندا وهي الآن تستقر مع زوجها النفساني والكاتب جوناثان كوهين في مدينة دينفر بكولورادو.
û أود من أجل القراء الجدد لأعمالك أن اذكرك بمقتبسات من كتابك حول أحلام اليقظة الفنية الموسوم (الوحشي والمدهش) لنوجه إليها رؤية بعين طائر تستغور مفهوم الجمالية عنك؟
ــ عبر رواية الغزال تطالعك فعاليات تبث الحياة في الكتاب. والعديد من هذه الفعاليات ما يزال متجذرا في ذهني وذكرياتي العميقة عن القاهرة في خمسينيات القرن الماضي عندما عشت فيها قرابة سنة كاملة صحبة عائلتي. محل نقش العاج، وعبقه المختلط برائحة الحناء وغبار العاج. وشخص حورس الازرق الصغير الذي يدخل احلام يقظة ليزي الطافحة بالاغراء. انا ايضا كنت اشتهيها. عندما تلاحظ ليزي خط القلم الرفيع يرحل من سرتها الي بلحتها وعندما تستعرض فتنتها امام مرآة امها. بعض هذه المشاهد مبتكرة. ساكييت وهو يضغط كؤوس الزهر في الشمع – وما يوحيه ذلك الفعل من شبق شديد، وعندما يخبر ديفن ليزي : لقد آن أوانك. وعندما تثير لبوتها جمع الجالسين علي الغداء في ناد رياضي وتجبره علي التناقص. وعندما تتغزل ليزي برمسيس رجب وتحك اسوراتها الزجاجية باسنانها.
الغزال عمل يدور حول تفسخ عائلة، وتحطم صبي يستيقظ علي حياة جنسية، وعلي صعوبة في الحصول علي هوية عندما يكون ابواه عصابيين وآسرين. والرواية تدور ايضا حول الجمال ـ الشحنة الضرورية لاشراق الجمالي وزواله ايضا. والرواية تدور ايضا حول الخديعة.
لا شخصية مشؤومة
û الأولاد في كتبك مثل ليزي في الغزال يقاسون نوعا من الدمار علي أيدي الكبار في حيواتهم.. أكانت هذه هي الثيمة التي تستغورينها وأنت تكتبين كتبك؟ ولماذا تمنحين معظم شخصيات كتبك تلك الظلامية المختلطة بلحظات فكاهة وأحيانا تتعاملين معها تعاملا ينم عن تعاطف؟
ــ توجورز(لا شخصية مشؤومة) إنه سكير سادي يجد متعي بالغة في إخافة نيني بحكاياته. ولكنه في الوقت نفسه ضروري لإنسانية نيني، لأنه الشخص الوحيد الذي يجرؤ علي قول الحقيقة كما هي. ومع مرور الوقت، ذلك أن نيني تدرك فجأة أن توجورز ــ لا، خلافا للذين يقرون بحبهم له ــ يعي حاجته إلي معرفة الصدق. بهذه الطريقة، يكون توجورز ــ لا مثل ماركيز ساد: فحكاياته يصعب الاصغاء لها. ولكن إذا ما أردنا أن نفهم من نحن، وما هي قدراتنا الحقيقية، سنكون بنا حاجة للإصغاء. ثمة في ثقافتنا، لا سيما في هذا الزمن، تركيز كبير علي النسيان وعدم الفهم. يبدو لي أن علينا اكتساب شجاعة عملية لذاكرة لا تهاب إن نحن أردنا أن نتطور وأن نبقي أحياء.
أما لاندا، و سيبتيمس، وتوبز، فهي شخصيات يراد الحصول من خلالها علي عبرة، من مرض معد يستهدفنا. وإذا ما بدو هزليين أحيانا(والضحك هنا غامض للغاية) فذلك مرده إلي دوافعهم الشفيفة. فهم يتوقون للسيطرة والتحكم في كون فسيح متحول؛ إنهم يحلمون بعالم مستو حد الكمال. ومن أبراجهم الدموية بإمكان كائن من كان أن يري تمردهم وشذوذهم. هي رؤية مضحكة ومميتة في الآن نفسه! سلوكهم هو بمثابة شكر مكرور لأولئك الذين يجعلون كوكبنا مخيف ومميت لأولادنا. ولكنهم أنفسهم كان ذات وقت أطفالا. علينا أن نتذكر ذلك.
û من بين كتبك جميعا نجد كتابين هما الأكثر استفزازا: استعلام صانع المراوح، واللطخة. فهما ما يمكن أن يتهما بكونهما تخريبيين إن لم يحضيا بقراءة متأنية ووقعا تحت طائلة الخطأ النقدي. تري ماهو تعريفك للتخريب الثقافي وكيف تدافعين عن هذين الكتابين عن التهم التي تتصدي لهما؟
ــ ولكن كتبي تخريبية. فكل كتاب منها يدور حول الحاجة الي استجواب السلطة الفاسدة والفكر العقائدي بما في ذلك عقائديات العصاب، كما تتناولها روايتي (الغزال)، وهي عقائديات تتداخل مع استقلالياتنا.
اما في (اللطخة)، فثمة طفلة تولد بوحمة علي جسدها ما تجعلها تنعزل بعد ان تكون عرضة للاساءات بانواعها. وهناك متشردة اخري تدللها وتعلمها السبيل الي ان تكون انانية. وفي نهاية الرواية، ندرك ان تشارلوت لن تنجو بحياتها فحسب، بل تتألق أيضا.
لعل راصد الامازون كوم لم يتمكن من قراءة الكتاب بسبب تصويري الضاري للكنيسة الفاسدة. انها كنيسة تسيء استخدام كلمة (الجيد) تماما مثل رئيسنا الذي يسيء استخدام كلمة(الحرية).
عندما أدرّس الكتابة فإنني أطلب دائما من طلبتي أن ينبذوا كل ما يتعلق بالافكار العقائدية السياسية، والدينية واللاهوتية والعصابية من أجل أن تنبع كتاباتهم من مكان في أعماق الفكر الخالص. الكتابة الجيدة تعني التفكير الشجاع، وإلا فلم نزعج أنفسنا بالكتابة؟ والتفكير الشجاع هو تخريبي بطبيعته.
û تتفاوت حبكاتك من حيث الزمان والمكان، ابتداء بـ(بيردلاند) الاسطوري في (فسفور في ارض الاحلام) مرورا القرية الفرنسية الصغيرة في ثمانينيات القرن التاسع عشر في (اللطخة) وانتهاء بـمصر خمسينيات القرن العشرين في(الغزال)، وقد وصف عملك في مجمله بعديد من الاصطلاحات فهو تارة سريالي وأخري مانوي، وتارة ثالثة بالواقعي السحري، أو الداعر أو الهزلي القاتم أو التفجير اللغوي أو الدخيل أو المثير الجنسي أو البريء والمنحرف، أو المرعب أو الحسّي المسرف وفي الوقت نفسه المضمخ في الوقت نفسه بمتجه أخلاقي. يبدو لي أن هذا العجز عن تحديد موجّهات عوالمك المتخيّلة تحديدا دقيقا هو أعلي ما يمكن أن يتلقاه المبدع من إطراء. من كان وما كانت المؤثرات المبكرة والأكثر إلحاحا علي مخيّلتك؟ ــ بدءا، أود القول إن الرسامين الذين أحببتهم بوصفي فتاة هم بوتش، وبيرجيل ودالي وارنيست وفيرمير وكل الحكايات الخرافية عن الجنيات التي التهمتها في شبابي: كانت من انواع الحكايات الجنيات الضارة أوالفخمة أو المرعبة أو الباعثة علي البهجة. مثل آلهة سيرام، والقبور والعلماء. وكان أول ما قمت برسمه هو لوحة إسحق دينيسون الموسومة وجه أشبه بطائر. فضلا علي أفلام كوكتو وقبل كل هذا وذاك ودائما قصص أليس. والسبب في تعلقي بقصصها أن أليس كانت تنتصر في النهاية علي الدوام. فقد كان عالم المستبدين يمثل حلما سيئا كانت قد قررت أن تصحو منه. أتمني أن يكون ذلك حقيقيا لنا جميعا.
الهام الحلم
û لعل أكثر ما أدهشني عنك في بحثي هو أنك بدأت سن بلوغك فنانة مرئية وأنك لم تبدئي الكتابة إلا بعد أن أصابك غضب أخلاقي علي خلفية رؤيتك سيدة يسارية حبلي تتعذب وهي تتبع مظاهرة عقب انقلاب عسكري في اليونان في سبعينات القرن الماضي إلي أي مدي كانت سهولة هذه الكتابة لك وكيف أدت هذه التجربة بك إلي السبيل المناسب لإنجاز كتبك اللاحقة؟
ــ كان المحفز لكتابة (اللطخة) حلما وألهمتني لكتابتها حياتي في قرية صغيرة في وادي لواغ بفرنسا، التي عشت فيها مدة عشرين سنة. كانت أوضاع الطبقة العاملة هناك غاية في التردي، ما انعكس ذلك علي أطفال تلك الطبقة. فقد كانت الكنيسة مسيطرة علي الحياة السياسية ما دفع بأغلبية السكان لانتخاب النازي الجديد (لو بين). إلا أن القرية نفسها كانت غامضة ومتجذرة تجذرا عميقا في ماض تاريخي معقد. في تقديري كانت ثنائيات النور والظل، الجمال والرعب، الابتذال والدهشة ذات فاعلية لا تقاوم. لقد كتبت (اللطخة) وأنا تحت تأثير حمّي استغرقت ثلاث سنوات. كان الكتاب يصيبني أحيانا بالذعر وكان علي أن أتركه جانبا، وأستأصل العشب الضار من الحديقة وأخرج في نزهات طويلة مشيا علي الأقدام. وأحيانا يجعلني الكتاب نفسه أضحك بصوت مرتفع. أما الشخوص فالعديد منها مقتبس من أشخاص واقعيين؛ وكانت الأحداث من مثل الزفاف قريبة من أشياء حدثت فعليا. عندما قرأتها أنجيلا كارتر قالت: (أنا أكتب من خلال اطلاعي علي الكتب. وأنت تكتبين من الحياة) أما أنا فلا أعتقد أن ذلك صحيح بالضرورة، ولكنها كان سبق لها أن شاهدت القرية وتعرفت عليها. كما أنني لم أعش في (لو بو نوتردام) منذ اثنتي عشرة سنة ومع ذلك حلمت الليلة الماضية بأوراق الدرّاق الصفر مبعثرة علي طريق خارجي إثر هبوب نسائم الخريف المبكرة. فاستيقظت مغمورة بالتوق. عندما غادرت ذلك المكان، تركت شيئا من لبي هناك. لقد كانت (اللطخة) أول رواية في سلسلة تدور عن العناصر الطبيعية الأربعة التراب والنار (دخول النار)، الماء(نافورات نبتون) والهواء (خزانة اليشم). ثم أعقبت الروايات الأخري مسارها.
û قرأت في مكان ما أنك اعتزلت الرواية للتفرغي للتدريس في جامعة دنفر. تري إلي أي مدي سيكون ذلك خسارة لطلبتك في المستقبل. أظن أنك بوصفك شخصية متعاطفة وملهمة لطلبتك ومشجعة لهم بما تقدمينه من الجماليات المعلبة والميثولوجيا من أجل دفع الأفكار الماضية باتجاه تمثيلها في فن عظيم. لو كنت أنا شخصيا قد تمحصت أسلوبك علي نحو صائب لكنت خمنت أن التدريس يعد لك نعوا من تعويض القوة، ولكنه أيضا استهلاك للوقت ومستنفد للطاقة الابداعية. هل كان هذا هو ما شجعك علي اتخاذ قرارك؟
ــ أجل، ولكنني أحب التدريس والاستمرار في إيجاز أعمال محددة لمركز ستوديو فيرمونت أو مراكز براون أو بارد أو ناروبا وما إلي ذلك. كما بدأت الرسم بجدية من جديد. أنا الآن أعكف علي رسم ثماني لوحات مكرّسة لخزانات الفضول النفيسة.
û لقد استمتعت بعلاقتك لسنوات مع كاتبتين أنا شخصيا معجب بأعمالهما إعجابا بالغا هما أنجيلا كارتر و كلاريسا بينكولا إيستس. تري كيف أثرت علاقتك بكل منهما علي حياتك وعملك علي مدي السنوات الماضية؟
ــ توفيت أنجيلا قبل سنوات، ولكن عملها بقي ذا تفرد له خصوصيته وأنا واثقة من أنه سيبقي. وأنا أحب مفردة المخربة الثقافية تلك ــ التي تعد طبيعة ذكائها. وأنا مدينة يالشكر لأنجيلا علي نشر روايتي(اللطخة) عن دار تشاتو و وينداس في انكلترا. قالت لي إن الدار ستحب الرواية لأن البريطانيين يحبون الروايات المختلفة. كانت ترفض أنجيلا دائما الأنماط والتعرفات المبسطة. والشيء نفسه يمكن أن يقال عن كلاريسا. أعتقد أن كلتيهما كانت (مقوّية) بالوصف الفرنسي. بمعني أنهما كانتا بمثابة هواء نقي منعش ومفيد لي.
û تحدثنا معا في مكالمة هاتفية عن روعة عمل ديفيد لينتش والغرابة التي تلفه علي نحو يستحوذ علي الاهتمام. تري ما الشيء الذي يسكن رأس هذا الكاتب ويجعله محفزا لايقاوم علي الرغم من أنه يبدو مريضا؟
ـــ إنه راء. أنظر فقط إلي ما فعله للوس أنجلس في روايته(ملهولاند درايف)! فالمحتوي الحي يغدو بحرا باعثا علي الدوار. إنها استعارة للكوكب كله، وربما للوجود ككل. أظنه غنوسطي معتزل. ولكن حتي لو لم يكن كذلك فإن رؤاه غنوسطية. فأمريكا حسب فهمه ما هي إلي عالم مادي شاذو فشل ذريع. تديره قوي صغري غاشمة تتقنع بأقنعة متغيرة كما في روايته(السيد إيدي علي الطريق الخارجي الضائع) أو أحد ما يقوم إذعانا للشيطان بارتكاب إغواءات مهلكة في الشكل المزدوج لـ(أليس ــ ريني). أليس ريني تمثل ثقبا أسود بالمعني الحرفي للكلمة، او هي المهبل القاتل حسب تعبير كوفير. هذا كله يبعث علي الرعب، ولكنه شيئ نعايشه. فكوكب لينتش المظلم هو كوكبنا نحن ايضا. ولهذا السبب فهو يحفزنا. ثم هناك دائما إمكانية للتفوق، تجسده(لوله) علي سبيل المثال في رواية (المتوحش والقلب)، أو ميريك في رواية (الرجل الفيل). هذاتان الروايتان تتحققان بفضل ما ينطويان عليه من قدرة لا متناهية علي إظهار المحبة والإمتاع. فإشراقة لوله وحرارتها الجنسية تتمخض عن مرض معد علي الدوام، تماما مثل حلاوة ميريك تجعله محصنا ضد كل من يعديه. إنها رؤيا أخلاقية ــ بالمعني الاسمي للكلمة(لا شيء كنيسي هنا!) من هنا ضرورتها وأهميتها.
صحوة ثقافية وفنية
û سألتك في تلك المكالمة إن كنت تظنين، كما أظن أنا، بأننا نسيرعلي نتوء صحوة ثقافية وفنية، لأنني أعتقد أنني قلت لك(ليس في مقدورنا يقينا أن نستمر طويلا في التزام هذا المسار) وأجبتني قائلة(نعم أعي ذلك ولكن لن يكون في مقدورنا يقينا) أنا أعرف ما كنت أعنيه، ولكن هل تتفضلين علينا بإيضاح ما عنيته أنت؟
ــ عندما قلت سابقا ان العالم قد غدا مميتا للأطفال، لم أكن أفكر في المساعدات فحسب، وموجة أكلة لحم البشر في إقليم ايتوري بالكونغو، أو الجنود الصبية أو المراهقين العالقين في أوحال يأسهم ، أو ظهور موجة التجنيد والرأسمالية الخبيثة ــ بل إن القائمة تطول، ولكن لابد أن نذكر هنا سلب ثروات كوكبنا وموارده سلبا غير مسبوق، وكذلك العناصر المسمومة، والمخلوقات الفريدة التي تتلاشي ونحن نتحدث الآن. مؤخرا قرأت في الغارديان عن اصابة نمور بفقدان الشهية المميت في الهند جراء حفر مناجم لا قانوني في منطقة الحجر الصابوني. عندما تغدو النمور أقل أهمية من ذرور الطلع، تكون تلك اللحظة ذروة الصحوة! إنها الصحوة المخصبة ــ إذا استعرنا بيتا من شعر ريلكه ــ بإشراقة من دواخلنا. لقد حكمتنا علي مر زمن طويل عقول عقيمة ولا تتحلي بأدني قدر من الحكمة. فماذا لو جعلنا صحوتنا ــ ينبغي ان تكون ثورة ــ في ضوء الرغبات التي تحدو أطفالنا؟
û نشرت لك خمسة من كتبك في مطبعة دالكي أرشيف، التي تعد واحدة من أكبر المطابع التي تهتم بالأدب الحديث. الآن من أجل توعية الكتاب الطموحين الذين يتطلعون إلي أن يحذو حذوك، هل يمكنك أن تعلمينا بالمعايير التي تعتمدها تلك المطبعة ومن توصينها علي انه الصوت الأكثرإدهاشا ولماذا؟
ــ تقول آن كارسون في عملها الإيروسي (الحلوة المرة): (أنا أكتب هذا الكتاب لأنه يصعقني بالذهول. وبهذه الصعقة يتجاوز العقل حدود الحاضر الفعلي نحو شيء فعلي آخر. أعتقد أن هذه العبارة يمكن أن تكون (مانترا) صالحة لجميع الكتّاب المندرجين في قائمة مطبعة دالكي. وإلا فأين ستجد في مكان آخر قصص هاري ماثيو علي سبيل المثال؟ بما في ذلك الحوارات المرحة الغامضة ــ تلك الكوميديا الفلسفية. إنها الكوميديا واالفلسفة معا هنا ــ وقد افتقدناهما هذه الأيام. إقرأ دجونا بارنز، و روبرت كوفير، ووليام غاس، وآرنو شميدت، وسوزان دايتش، وفلان أوبريان... كما أن مطبعة دالكي عرفتني بالعديد من الكتاب المميزين الذين لم أكن قد سمعت بهم من قبل. خذ مثلا ويلفرد نولليدو، ماغريت يونغ، سيفيرو ساردوي. الصحوة التي نتحدث عنها تتلقي بأعمال هؤلاء غذاءها وإهامها.
û في العام 1993 حصلت علي جائزة لانان الأدبية، وهي جائزة شرفية شاركك بها كتاب من أمثال روبرت كوفير و برادفورد مورو وليزلي مارمون سيلكو و سينثيا أوزيك، وآخرين. مالذي بستتبع هذه الجائزة وعلي أي أساس اختير الفائزون بها؟
ــ لقد كان فوزي بهذه الجائزة بمثابة ملاك راع هبط علي من مكان مجهول ومنحني فرصة اخذ اجازة اغيب بها عن التدريس. كتبت(فوسفور في أرض الأحلام) دون معوقات ما يجعلني أعرب عن شكري الجزيل لمؤسسة لانان. فالعاملون في هذه المؤسسة لديهم أساليب غامضة، وجعلتني مكالمتهم الهاتفية لي أبكي. بكثير من الدهشة والعرفان، لأنني لم أكن كاتبة مشهورة. نعم أنا أيضا أتساءل: كيف؟
û أعرف أن السؤال التالي سيكون من الأسئلة التي لا تطاق، ولكنني سأتمادي وأطرحه بأي حال من هو الكاتب الوحيد الذي أثر بك عمله وألهمك إلي أقصي حد ولماذا؟ فهو أحد أهم المخربين الثقافيين علي مر العصور؟
ــ إنه لويس كارول، بلا أدني شك. تحريّ بنفسك عنه في روايته (دمبتي دمبتي) في الضوء الكالح للرئاسة الحالية.
û وثمة سؤال آخر لايطاق، أي من كتبك هو المفضل عندك أكثر ولماذا؟
ــ لست متيقنة من المفاضلة عندي. فإن كانت كتبي جميعا مختلفة للغاية وقائمة بحد ذاتها، فهي عندئذ ستنتمي لمجمل رؤيا ، كائن حي يتنفس ويغلفه وهم كبيرلا سبيل لتحقيقه. ربما أفضل العمل الشاذ. ولكن إن كان علي أن أختار، فسأختار(نافورات نبتون) لأنها الرواية الأكثر حلمية والوحيدة التي يمكن أن أمنحها ــ إن استطعت ذلك ــ لغاستون باتشلارد الذي كانت مياهه وأحلامه مصدر إلهام رئيس لي في كتابتها.